للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزيرى يجعل كلا منهن تخاطب مولاها متمثلة زهرتها ومحاسنها بين الأزهار فى مقطوعات (١) شعرية بديعة. ويقول الشريف الطليق فى نفس قصيدته الفريدة السالفة فى ترجمته (٢):

وغمام هطل شؤبوبه ... نادم الروض فغنّى وسقى (٣)

فى ليال ضلّ سارى نجمها ... حائرا لا يستبين الطّرقا

أوقد البرق لها مصباحه ... فانثنى وجه دجاها مشرقا

وشدا الرّعد حنينا فجرت ... أكؤس المزن عليه غدقا (٤)

وغدت تحنو له الشمس وقد ... ألحفته من سناها نمرقا (٥)

وقد بثّ الشريف الطليق فى الغمام الممطر والروض مشاعر مجلس أنس وطرب بما فيه من مغن وساق فى ليلة داجية، أمسى النجم فيها حائرا لا يتبين طريقه، وسرعان ما أشعل البرق لها مصابيحه، فاستحال وجهها الداجى المظلم مشرقا مضيئا، وأخذ الرعد يشدو ويغنى، فجرت أكؤس المزن غزيرة حتى انتشى الروض، وأصبح، فرأت الشمس ما أصاب الغصون وبعض الأزهار من المطر المنهمر ليلا، فعطفت على الروض وأشفقت عليه وكسته من سناها وضوئها طنافسها الذهبية، حتى يسرى فيه الدّفء.

ولم نقف حتى الآن عند الخمريات لا لأنها كانت قليلة، فلم يكد يخلو شاعر ممن سميناهم فى هذا العصر الأموى من أشعار له فى الخمر، غير أنها فى جملتها تعد محاكاة وتقليدا لما قال المشارقة فيها. وربما كان الشريف الطليق أول شاعر نقرأ له فى الخمر أشعارا فيها شئ من الطرافة لملكاته الخيالية الخصبة من مثل قوله فى نفس القصيدة السالفة:

ربّ كأس قد كست جنح الدّجى ... ثوب نور من سناها يققا (٦)

بتّ أسقيها رشا فى طرفه ... سنة تورث عينى أرقا (٧)

خفيت للعين حتى خلتها ... تتّقى من لحظه ما يتّقى


(١) راجع هذه المقطوعات فى الذخيرة ٤/ ٤٧ وانظر فى ترجمة الجزيرى الجذوة ٢٦١ والمطمح ١٣ والصلة ٣٥٠ والمغرب ١/ ٢٢١.
(٢) الحلة السيراء ١/ ٢٢٣.
(٣) شؤبوب المطر: أول دفعة منه.
(٤) المزن: السحاب. غدقاء: غزيرة.
(٥) النمرق: الطنفسة من القطيفة أو الصوف.
(٦) الأبيض اليقق: الناصع البياض جنح: ظلام.
(٧) الرشأ: ولد الظبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>