للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرقت فى ناصع من كفّه ... كشعاع الشمس لاقى الفلقا (١)

طلعت شمسا وفوه مغربا ... ويد الساقى المحيّى مشرقا

فإذا ما غربت فى فمه ... تركت فى الخدّ منه شفقا

والاستعارات فى الخمرية جيدة، فالكأس كست ظلام الدجى ثوب نور من ضوئها ناصع البياض، وقد بات يسقيها رشأ عيناه ذا بلتان كأن بهما سنة من النوم، وإن فتورهما وجماله ليؤرقه. ويقول إنها خمر روحانية، حتى إنها لا تكاد ترى، وكأنها تتوارى من لحظ هذا الرشأ خشية أن تصيبها سهامه، ويجعل يد الساقى مشرقا لتلك الشمس أو تلك الخمر، كما يجعلها تغرب فى فم الرشأ أو فم صاحبته. وكل ذلك فيه أصداء من خمريات أبى نواس، وقد نفذ إلى إضافة حين جعل يد الساقى مشرقا وجعل الخمر حين تغرب فى فم صاحبته تتحول فى الخد منها شفقا. ويتصور معاصره الفقيه سليمان بن محمد البطليوسى الأرض فى الربيع كأنها مجلس أنس كبير، يقول (٢):

تبدت لنا الأرض مزهوّة ... علينا ببهجة أثوابها

كأنّ أزاهرها أكؤس ... حوتها أنامل شرّابها

كأن الغصون لها أذرع ... تناولها بعض أصحابها

كأن تعانقها بالجنوب ... تعانق خود لأترابها

كأنّ ترقرق أجفانها ... بكاها لفرقة أحبابها

فالأرض قد ازدهت بأبهج أثوابها لهذا الاحتفال الكبير، وكأنما أزهارها تحولت إلى كئوس فى أنامل الشاربين تمدها لهم أذرعها من الغصون، مبتهجة فرحة بلقائهم، وريح الجنوب تعانق الغصون عناق خود أو شابة فاتنة لأترابها الفاتنات، ويتلفت فيجد النّدى على وجنات الأزهار وفى عيونها فيقول إن الدموع تترقرق فى أجفانها لفرقة أحبابها.

ونلتقى بعده بعبادة بن ماء السماء، وسنخصه بكلمة. وكان يعاصره ابن شهيد بأخرة من العصر الأموى، وله فى زيارة دير أيام شبابه مع صحبه فى طلب الخمر واللهو: (٣)

ولربّ حان قد شربت بديره ... خمر الصّبا مزجت بصفو خموره

فى فتية جعلوا الزّقاق تكاءهم ... متصاغرين تخشّعا لكبيره


(١) الفلق: الصباح.
(٢) ابن الكتانى ص ٤١ والبديع فى وصف الربيع ص ١٤ وانظر فى ترجمة الفقيه الحميدى ٢٠٦ وبغية الملتمس رقم ٧٦٢.
(٣) الديوان ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>