للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهدى إلينا الرّاح كلّ معصفر ... كالخشف خفّره التماح خفيره (١)

وترنّم الناقوس عند صلاتهم ... ففتحت من عينى لرجع هديره

وهو يقول إنه بات مع بعض رفاقه فى حانة دير اصطفت فيها الدنان وأخذوا يعبّون من الخمر متخذين من زقاقها متكئا لهم، كأنما يريدون أن لا يتركوا فيها بقية، وغلمان الدير يدورون عليهم بكئوسها وعين القسيس ترصدهم وترعاهم. وأخذتهم سنة من النوم، ودقّ ناقوس الكنيسة فى الصباح فأيقظهم من رقادهم. وحرى بنا أن نشير هنا إلى كتاب التشبيهات لابن الكتانى المتوفى حوالى سنة ٤٢٠ للهجرة، فكل ما فيه من عرض للشعراء مع طرائف تشبيهاتهم هو من إنتاج العصر الأموى بالأندلس، وقد خص شعر الطبيعة بنحو ستين صفحة وشعر الخمر بنحو عشرين صفحة، تتوالى فيها جميعا تشبيهات طريفة لكثرة من الشعراء الذين أظلهم هذا العصر ونالوا شيئا من الشهرة فيه، وقد بلغوا فى الكتاب جميعه نحو مائة شاعر، مما يدل بحق على أن الشعر نشط فى الأندلس لعصر بنى أمية-كما قلنا فى غير هذا الموضع-نشاطا عظيما.

ونمضى إلى عصر أمراء الطوائف ونلتقى فى أوائله بأبى عبد (٢) الله محمد بن السراج شاعر بنى حمود بمالقة فى الجنوب الشرقى للأندلس على البحر المتوسط، وكان صبّا بمن اسمها حسن الورد وله فيها وفى الورد وفى الطائر المسمى حسّونا ويسمى عندهم أم الحسن أشعار كثيرة نذكر منها قوله:

ذكرت بالورد حسن الورد شقّته ... حسنا وطيبا وعهدا غير مضمون

هيفاء لو بعت أيامى لرؤيتها ... بساعة لم أكن فيها بمغبون

فاشرب على ذكرها خمرا كريقتها ... وخصّنى بهواها حين تسقينى

فورد الربيع على أغصانه يذكّره باسم صاحبته وبالورد المطبوع على خديها، ويقول إنها صنو للورد طيبا وحسنا وقصرا إذ أيامه قليلة. ويذكر لقاءات له معها، فيطلب إلى الساقى كأسا يشربه على ذكرها، وذكرى الأيام التى نعم فيها بقربها. وكان يزامله فى مديح بنى حمود أصحاب مالقة عبد الرحمن بن مقانا وسنخصه بكلمة ونلتقى


(١) معصفر: مصبوغ بالعصفر وهو صبغ أحمر. ويريد السقاة من غلمان القسس. الخشف: ولد الظبية. خفره: حماه. خفيره: حارسه.
(٢) انظر فى ترجمة ابن السراج وشعره الذخيرة ١/ ٨٧٠ وما بعدها والحميدى ٥٦ والبغية رقم ١٤٤ والمغرب ١/ ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>