للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن أبى القاسم يرثى عالم العربية ابن الفخار الغرناطى قائلا (١):

قضى من بنى الفخّار أفضل ماجد ... جميل المساعى للعلا جدّ شائد (٢)

أمولاى من للمشكلات يبينها ... فتجلو عمى كلّ القلوب الشواهد

ومن ذا يحلّ المقفلات صعابها ... ومن ذا الذى يهدى السبيل لحائد (٣)

وهو يصف أستاذه ابن الفخار بجده فى السعى للمعالى وحله لمشكلات النحو ومغلقاته، ملحا فى ذلك حتى تذلّل وتستبين معمياتها وصعابها، وكلما ذلل مسألة معماة أو مشكلة صعبة أخذ يذلل مشاكل ومسائل أخرى أشد عسرا. ويقول أبو عبد الله اللوشى فى رثاء سلطان غرناطة أبى الوليد إسماعيل بن فرج المتوفى لسنة ٧٢٥ للهجرة: (٤)

كادت نجوم الأفق تسقط فى الثّرى ... لما شكت شمس العلاء أفولا

لا صمت إلا وهو نار فى الحشا ... لا نطق إلا ما يعود عويلا

ضاقت صدور الخلق عن أنفاسهم ... إذ ضمّ بطن الأرض إسماعيلا

وهو يبالغ مبالغة مفرطة إذ يقول إن النجوم فى السماء كادت تسقط فى الثرى حين أفلت شمس أميره إسماعيل، وإن الحزن عليه استحال نارا فى الحشا واستحال كل نطق عويلا له وأنينا وضاقت الصدور عن أنفاسها لوعة وأسى.

واللون الثالث من ألوان رثاء الأفراد العزاء، وهو فى أصله الصير على الموت فى الأقرباء وغير الأقرباء، ومن قديم يدعو الشعراء إليه مصورين كيف أن الموت سنة من سنن الكون، فهو الغاية والنهاية لكل إنسان، إذ الناس جميعا لا بد أن يرحلوا عن دنياهم، مما دفع الشعراء-وخاصة من أخذوا بحظ من الفلسفة-إلى التفكير فى حقائق الحياة والموت والوجود والعدم، ونلتقى بابن شهيد وقد هدّه فالج أو شلل، وطال ألمه وتزايد سقمه، فنظم رثاء لنفسه، ومما قاله فيه متعزيا متقبّلا للموت عن رضا: (٥)

يقولون قد أودى أبو عامر العلا ... أقلّوا فقدما مات آباء عامر (٦)

هو الموت لم يصرف بأسجاع خاطب ... بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر

ولم يجتنب للبطش مهجة قادر ... قوىّ ولا للضّعف مهجة صابر


(١) الكثيبة الكامنة لابن الخطيب ص ٢١٢.
(٢) قضى: مات. شائد: بان.
(٣) حائد هنا: ضال.
(٤) الكتيبة الكامنة ص ١٧٦.
(٥) الديوان ص ١١٣ والذخيرة ١/ ٣٣٢.
(٦) أودى: مات. أقلوا: لا تتكلموا.

<<  <  ج: ص:  >  >>