للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن هرمى مصر-الغداة-أمتّعا ... بشرخ شباب أم هما هرمان

فالناس والدول جميعا لا يبقى منهم باق على الزمان، فالكل يفنى ولا تفنى كوارث الدهر ومصائبه. ويتساءل عن الهرمين الباقيين بمصر هل متّعا بشباب حى ناضر أو هما نشآ هرمين عجوزين لم يعرفا شبابا ولا متاعا بالحياة، ويقول إن كل شئ-حتى فى الكواكب-إلى فراق، ويعود بالذكرى إلى أعزاء العرب فى الجاهلية الذين طحنتهم الحروب، ثم يقول:

فذلّت رقاب من رجال أعزّة ... إليهم تناهى عزّ كلّ مكان

وأىّ قبيل لم يصدّع جميعهم ... ببكر من الأرزاء أو بعوان (١)

ونبّهنى ناع مع الصبح كلّما ... تشاغلت عنه عنّ لى وعنانى

أغمّض أجفانى كأنى نائم ... وقد لجّت الأحشاء فى الخفقان

أقول كأنى لست أحفل وانبرت ... دموعى فأبدت ما يجنّ جنانى (٢)

فكل أعزاء العرب واراهم التراب، وكل قبائلهم تصدعت بأرزاء لا مثيل لها أو مكررة أو معادة، ويقول إنه حين سمع نعى هذا الشاب كان يتشاغل عنه أملا فى أن يكون غلطا وكان ما يلبث أن يتراءى له، وهو بين الظن واليقين وأحشاؤه تخفق، ويحاول أن يكتم حزنه، غير أن دموعه انهملت فأظهرت ما يستره جنانه من الهم والغم والحزن.

ويقول ابن الزقاق معزيا (٣):

هو القدر المحتوم إن جاء مقدما ... فلا الغاب محروس ولا اللّيث واثب

تساق أبيّات النفوس ذليلة ... إليه وتنقاد القروم المصاعب (٤)

وما الناس إلا خائضو غمرة الرّدى ... فطاف على ظهر التّراب وراسب

وهو يقول إن الموت قدر حتمى للإنسان، ولذلك حين ينزل به لا يستطيع أن يرده غيل ولا أسد متأهب للنزال، وإن الناس جميعا سادة وغير سادة ليساقون إلى ورده، ويخال ابن الزقاق كأن الناس جميعا يخوضون ماء غمرا، فطاف منهم لا بد أن ينشب الموت فيه أظفاره، وراسب سبق صاحبه إلى قاع الموت وقراره. ويقول ابن خفاجة فى صديق مات شابا متعزيا (٥):


(١) بكر: لم تسبق. عوان: مكررة.
(٢) الجنان: القلب والعقل.
(٣) الديوان ص ١٠٩.
(٤) القروم المصاعب: السادة العظام.
(٥) الديوان ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>