للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببطليوس ثم فى دواوين المرابطين، وله رسائل يخطب فيها ودّ أبى القاسم بن الجد، وفى إحداها يقول (١):

«إن تعذّر لقاء، فقد انتشر ثناء، امتلأت الأرض منه والسماء، ووصف عزّ الأوصاف وغلبها، وهزّ الأعطاف وجذبها، وذكر ملأ الآذان حليّا، والآناف ريّا (٢)، والأفواه أريا، ونبل جلت مطالعه دياجى الأوهام، وروت مواقعه صوادى (٣) الأوهام. . ولله دهر أطلعك أفقه، ووقت وسعك طلقه (٤)، ما أكرم طبيعته، وأضخم دسيعته (٥)، وأعبق فى الآناف شميمه، وأرقّ على الأنفاس نسيمه. . وأنا أخطب إلى عمادى-أدام الله عزّته-مودّته عقيلة (٦)، واجعل رحمى (٧): الأدب والنسب وسيلة، وأبذل من تحلية حمدى وشكرى مهرا، وأبنى لها بين سحرى ونحرى (٨) قصرا. . والله-جلاّ وعلا-يعيننى على فرضه أؤديه، وقرضه أقضيه».

وللأعمى التطيلى الشاعر معاصره رسالة عتاب بديعة لمن خدمه الزمان وأقبل عليه السلطان، وله يقول مترفعا عن بره وعونه: «إنى أبيت ظمآن، ولا أبيت خزيان، وأحتمل الحرمان، ولا أحتمل الهوان (٩)». وكان يعاصره ويعاصر ابن الجد ابن خفاجة شاعر الطبيعة المبدع الذى مرت ترجمته، وكما كان يبدع فى وصفها شعرا كان يبدع فى وصفها نثرا، وله من رسالة يصف نزهة مع بعض رفاقه غبّ مطر (١٠):

«لما أكبّ الغمام إكبابا، لم أجد معه إغبابا (١١)، واتصل المطر اتصالا، لم ألف معه انفصالا، أذن الله تعالى للصّحو أن يطلع صفحته، وينشر صحيفته، فقشعت الريح السحاب، كما طوى السجلّ الكتاب، وطفقت السماء تخلع جلبابها، والشمس تحطّ نقابها، وتطلّعت الدنيا تبتهج كأنها عروس تحلّت، وقد تجلّت، ذهبت فى لمّة من الإخوان نستبق إلى الراحة ركضا، ونطوى للتفرّج أرضا، وننشر أرضا، وتردّدنا بتلك الأباطح نتهادى (١٢) تهادى أغصانها، ونتضاحك تضاحك أقحوانها، وللنسيم، أثناء ذلك


(١) الذخيرة ٢/ ٦٧٠.
(٢) ريا: شذى.
(٣) صوادى: عطاش.
(٤) طلقه: شوطه.
(٥) دسيعته: طبيعته وشيمه.
(٦) العقيلة: السيدة الكريمة.
(٧) رحم: قرابة.
(٨) السحر: الرلة. النحر: أعلى الصدر.
(٩) الذخيرة ٢/ ٧٢٩.
(١٠) الذخيرة ٣/ ٥٤٣.
(١١) إغبابا: انقطاعا.
(١٢) نتهادى: نتمايل.

<<  <  ج: ص:  >  >>