للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنظر الوسيم، تراسل مشى، على بساط وشى، وأجلنا النظر فى نهر صافى لجين (١) الماء، كأنه مجرّة السماء، مؤتلق جوهر الحباب (٢)، كأنه من ثغور الأحباب. وحضرنا مسمع (٣) يجرى مع النفوس لطافة فهو يعلم غرضها وهواها، ويغنى لها مقترحها ومناها:

يحرّك-حين يشدو-ساكنات ... ويبتعث الطبائع للسّكون»

ولابن خفاجة-بجانب ذلك-رسائل فى التهادى وفى العتاب وفى الشفاعة، وفى التهانى وفى التعازى، وهى مبثوثة بترجمته فى الذخيرة، وله يتفجع على شهيد بإحدى رسائله (٤):

«قمر فضل سار إلى سراره (٥)، ووسطى عقد أخذ فى انتثاره، وصباح جذل (٦) أسرع فى انطوائه، ومصباح أمل عجّل بانطفائه، فقبحا لدنيا قصفته أنضر ما كان غصنا، وكسفته أقمر (٧) ما كان حسنا. وصار مفقودا، كأن لم يكن مشهودا، ومنشودا (٨) كأن لم يكن موجودا. وقد وجدت لذلك وجدا لا يسعه الصّدر، ولا يقاومه الصّبر، وأوارا (٩) لا تطويه أحناء الضلوع، ولا تطفئه أحساء (١٠) الدموع. وكأنّ كل ذلك لما انقضى، فمضى، خيال ألمّ ثم تولّى، وغمام أظلّ ثم تجلّى».

ومن معاصرى ابن خفاجة أبو عبد الله بن أبى الخصال أهم الكتاب فى دواوين المرابطين بأخرة من أيامهم، وتحتفظ المجلدات الثامن والتاسع والرابع عشر من صبح الأعشى بطائفة من رسائله الشخصية بين شكر وتهنئة بقدوم وتعاز فى وزير وبنت وأخ وزوجة وشفاعة ووصف لغيث بعد جدب وما أعقبه من تغنى الطيور فرحا بجمال الطبيعة وازديانها بروائع الأزهار من نرجس وغير نرجس، واحتفظ له ابن بسام بطائفة أخرى من رسائله فى ذخيرته، من بينها رسالتان وجّه بهما إلى ابن بسام ردّا على رسالة كان أرسلها إليه فى طلب بعض شعره ونثره ليضمنه الذخيرة، وهو فى أولاهما يعتذر عن تلبية طلبه فى تواضع جم إذ ليس له من الشعر والنثر-كما يقول-إلا ما يعد من سقط المتاع. ويبدو أن ابن بسام ألح عليه فى الطلب فاضطر أن يلبيه بقليل من شعره قائلا إنه


(١) اللجين: الفضة.
(٢) الحباب: الفقاقيع تلمع فوق سطح الماء.
(٣) مسمع: مغن.
(٤) الذخيرة ٣/ ٥٥٧.
(٥) السرار: آخر ليلة فى الشهر.
(٦) جذل: سرور.
(٧) أقمر: أضوأ.
(٨) منشودا: مطلوبا.
(٩) الأوار: حر النار.
(١٠) أحساء هنا: ينابيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>