برسالة التوابع والزوابع التى سماها شجرة الفكاهة، وهو من بيت آخر غير بيت الفقيه أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم». وإذا أضفنا إلى ذلك أن ابن شهيد أنشد فى الرسالة قطعة من رثائه لوزير الخليفة المستظهر حسان بن مالك المتوفى-كما جاء فى كتاب الصلة-سنة ٤١٦ تعين أن تكون الرسالة كتبت فى هذه السنة على الأقل أو بعدها فى إحدى السنوات التالية القريبة. وبذلك يسقط كل ما ذهب إليه الباحثون من أن الرسالة ألّفت قبل هذا التاريخ.
والتابع فى الرسالة الجنّىّ والزوبعة الشيطان، وابن شهيد يذكر فى صدرها لصديقه أبى بكر بن حزم أنه أرتج عليه ذات يوم فى شعر كان ينظمه، فتراءى له تابعه من الجنّ على فرس أدهم، فأجازه، واستحلفه من هو فقال: زهير بن نمير من قبيلة أشجع فى الجن، وكأن فى الجن قبيلة تقابل قبيلة ابن شهيد: أشجع فى الإنس، وتحادثا حينا، ثم علّمه أبياتا إذا أراد استحضاره، وأوثب الفرس جدار الحائط وغاب عنه، فكان كلما أرتج عليه أنشد الأبيات المذكورة فمثل توّا. ولما تأكدت صحبته له عرض عليه أن يلقى معه توابع الشعراء والكتاب وزوابعهم فاستأذن له شيخه الجنى، وأذن له، فأركبه معه على متن جواده، وسار بهما كالطائر يقطع الجوّ فالجوّ والدّوّ (الفلاة) فالدّوّ حتى لمح ابن شهيد أرضا لا كأرض الإنس متفرّعة الشجر عطرة الزهر، وقال له تابعه تلك أرض الجن، وطلب منه ابن شهيد أن يلقى صاحب امرئ القيس «وأمال التابع عنان الجواد إلى واد من الأودية به دوح تتكسر أشجاره وتترنّم أطياره، وصاح تابعه على تابع امرئ القيس قائلا: «يا عتيبة بن نوفل، بسقط اللّوى فحومل (وهما موضعان بمعلقة امرئ القيس) يوم دارة جلجل (أيضا فى المعلقة) إلا ما عرضت علينا وجهك، وأنشدتنا من شعرك، وسمعت من الإنسىّ وعرّفتنا كيف إجازتك له؟ فظهر لهما فارس على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك الله يا زهير وحيّا صاحبك أهذا فتاهم؟ قال زهير هو هذا. وأى جمرة (يشيد بابن شهيد) يا عتيبة، فقال لابن شهيد: أنشد، فقال:
السيد أولى بالإنشاد، فتطامح (ارتفع) طرفه، واهتزّ عطفه، وقبض عنان الشّقراء (فرسه) وضربها بالسوط، فسمت تحضر (تثب) طولا عنا، وكرّ فاستقبلنا بالصّعدة (القناة) هازّالها، ثم ركزها، وأنشده إحدى قصائد امرئ القيس حتى أكملها، ثم قال لابن شهيد:
أنشد، فهمّ إزاء روعة قصيدة امرئ القيس بالحيصة (النكول) ثم اشتدتّ قوى نفسه وأنشده قصيدة يعارض بها قصيدته، فلما انتهى منها تأمله تابع امرئ القيس معجبا به، ثم قال له: اذهب فقد أجزتك وغاب عن بصره. وسأله تابعه زهير: من تريد بعده، فطلب