لقاء صاحب طرفة، فقطع معه وادى عتيبة، وركضا جوادهما حتى انتهيا إلى غيضة.
ويصف ابن شهيد الغيضة وأشجارها ولقاءه فيها بعنتر بن العجلان تابع طرفة، ويحاوره وينشده عنتر قصيدة لطرفة ويعارضها بقصيدة بديعة، ويصيح عنتر معجبا بقصيدته، ويجيزه، ويغيب عنه. ويلتقى ابن شهيد مع صاحبه بتابع قيس بن الخطيم شاعر يثرب ويتحاوران ويتناشدان الشعر ويجيزه. ويترك توابع شعراء الجاهلية إلى شعراء العصر العباسى. ويلتقى بصاحب أبى تمّام، وينشده ابن شهيد أشعارا مختلفة له منها مرثيته للوزير حسان بن مالك. ويلتقى بتابع البحترى، ويتناشدان الشعر ويجيزه.
ويسأل ابن شهيد صاحبه أن يلقاه بصاحب أبى نواس وينقل لنا صورة من منازل خمره وسكره، إذ بوادى الجن منازل مماثلة لمنازل أبى نواس فى دنيا الإنس، فهذا دير حنّة الذى كان كثيرا ما يختلف إليه، ويشقّ سمع ابن شهيد قرع النواقيس، ويجتاب مع تابعه أديارا وكنائس وحانات حتى ينتهيا إلى دير عظيم تعبق روائحه وتفوح نوافحه، ويقف صاحبه زهير ببابه ويصيح سلام على أهل دير حنّة، ويسأله ابن شهيد هل صرنا بذات الأكيراح (ساحة يخرج إليها الرهبان فى أعيادهم وطالما تغنى بها أبو نواس) ويجيبه: نعم، وتقبل نحوهما الرهابين وفى أوساطهم الزّنانير المشدودة وقد قبضوا على العكاكيز، بيض الحواجب واللّحى، وقالوا لصاحبه ما بغيتك؟ فقال حسين الدّنان تابع أبى نواس، فقالوا إنه فى شرب الخمر، منذ أيام عشرة، ونزلوا بابن شهيد وتابعه إلى بيت اصطفّت دنانه وحولها غزلانه، وفى فرجته شيخ طويل الوجه واللحية افترش أضغاث (أخلاط) زهر، واتّكأ على زقّ خمر، وبيده طاس خمر كبير، فصاح به زهير: حيّاك الله أبا الإحسان، فأجاب بجواب لا يعقل لغلبة الخمر عليه، فقال زهير لابن شهيد: اقرع أذن نشوته.
بإحدى خمريّاتك فإنه ربما تنبّه لبعض ذلك، فصاح ابن شهيد ينشده إحدى خمرياته، فصاح تابع أبى نواس وسأله أأشجعى كأنه لا يحسن مثل هذه الخمرية إلا ابن شهيد الأشجعى، وأجابه ابن شهيد: أنا ذاك، فاستدعى ماء قراحا، فشرب منه وغسل وجهه، فأفاق واعتذر إليه من حاله، وأنشده قصيدة أبى نواس:
يا دير حنّة من ذات الأكيراح ... من يصح عنك فإنى لست بالصّاحى
وكاد ابن شهيد يخرج من جلده طربا، وسأله تابع أبى نواس أن ينشده من شعره، وقام حسين يرقص ببعض شعر ابن شهيد ويردده، وقال له: هذا والله شئ لم نلهمه نحن وقبّل بين عينيه وأجازه. وسأل زهير ابن شهيد من تريد بعد ذلك؟ فقال له: تابع