من تعهدوا لقريش بما فى الصحيفة التى كتبوها من مقاطعة الرسول وأصحابه، أو جريرة أبىّ بن سلول حين انخذل بمن معه من المنافقين عن رسول الله يوم أحد، أو جريرة من تخلفوا عن صلاة العصر مع الرسول فى بنى قريظة من اليهود، أو جريرة من شاركوا فى حادثة الإفك والبهتان على زوج الرسول السيدة عائشة بنت الصديق، أو جريرة من أنفوا من تولية أسامة الصحابى الجليل على رأس جيش، أو جريرة قاتل عمر بن الخطاب أو جريرة قتلة عثمان بن عفان، أو جريرة رجم الحجّاج للكعبة، إلى عظائم أخرى ذكرها لا يعدّ ذنبه بجانبها شيئا مذكورا. ومضى ابن زيدون يقول إنه لا ذنب له إلا وشاية مشّاء بنميم، ويشهد الله أنه ما غشّ جهورا ولا انحرف عنه ولا عاداه بعد أن تشيع له وأصبح فى عداد خاصته مما سوّل لحساده أن يوغروا صدره عليه بوشاياتهم ونمائمهم الدنيئة، يقول:
«كيف لا تتضرّم جوانح الأكفاء (النّظراء) حسدا لى على الخصوص بك، وتتقطّع أنفاس النّظراء منافسة فى الكرامة عليك؟ وكيف وقد زاننى رسم خدمتك، وزهانى وسم نعمتك، وأبليت البلاء الجميل فى سماطك (صفّك) وقمت المقام المحمود على بساطك. . وهل لبس الصباح إلا بردا طرّزته بفضائلك، وتقلّدت الجوزاء إلا عقدا فصّلته بمآثرك، واستملى الربيع إلا ثناء ملأته بمحاسنك، وبثّ المسك إلا حديثا أذعته فى محامدك؟ . ما يوم حليمة بسرّ. ولم أكسك سليبا، ولا حلّيتك عطلا، ولا وسمتك غفلا بل وجدت آجرّا وجصّا فبنيت، ومكان القول ذا سعة فقلت. حاش لك أن أعدّ من العاملة الناصبة، وأكون كالذّبالة المنصوبة تضيئ للناس وهى تحترق، فلك المثل الأعلى وهو بك، وبى فيك، أولى».
وهو يقول لجهور إنه من الطبيعى أن تضطرم جوانح النظراء حسدا وتتقطع أنفاسهم غيظا لمنزلتى منك وقد ازدنت بخدمتك وازدهيت بنعمتك، وأبليت البلاء الجميل فى صفّك ونصرتك وقمت المقام المحمود على بساطك، أنثر بين يديك خلع مدائحى المضيئة بفضائلك، وعقود ثنائى المنظومة بدرر مآثرك، ولكأنما عطر الربيع إنما يفوح بمحاسنك وشذى المسك إنما يذيع أحاديث محامدك، ويقول: ما يوم حليمة بسر أى أن ذلك كله مشهور، ويصيح إن جهورا لم يكن سليبا أو عاريا فكساه ولا عطلا غير مزدان فحلاّه ولا غفلا غير معلم فوسمه وأبداه، بل لقد وجد آجرّا وجصّا فبنى وشاد قصائده، ويقول حاش لجهور أن أعدّ عنده من العاملة الناصبة إشارة إلى آية التنزيل: {(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً)} وأيضا حاش لجهور أن يعده كالذبالة أو فتيلة