ولم يلبث الخليفة الحفصى عمر بن أبى زكريا أن استرد ملك آبائه الحفصيين سنة ٦٨٣ وأرسل إليه والى طرابلس محمد بن عيسى الهنتانى رسالة مذعنا فيها لطاعته. وفى سنة ٦٨٨ أرسل ملك أراجون سنة ٦٨٨ مع أسيره مرغم بن صابر حملة إلى طرابلس يريد الاستيلاء عليها وباءت بالفشل الذريع. ونزل بطرابلس سنة ٧٠٨ أمير حفصى فى أثناء توجهه إلى أداء فريضة الحج هو أبو يحيى زكريا بن محمد اللحيانى وفى عودته سنة ٧٠٩ أقام بها فترة جعلت أهلها يجلّونه ويقدرونه. وكان الحكم فى إفريقية التونسية قد ساء سوءا شديدا، إذ تولاه خليفتان اختلّت الدولة فى عهدهما اختلالا سيّئا. فتحدث كثيرون من أهل طرابلس إلى الأمير المذكور محرّضين له على تولّى مقاليد الخلافة بتونس حتى يصلح شئون الحكم بها وتعهدوا له بتأييده ونصرته، ونجحت الخطة، واحتل اللحيانى تونس سنة ٧١١ هـ/١٣١١ م وأخذت له فيها البيعة، وظل يلى شئونها ويصرف أمورها تصريفا حسنا لمدة ست سنوات، ونهض فى آخرها لمقاومته أمير قسنطينة بالجزائر وكأنما داخله اليأس من الانتصار عليه، فلجأ إلى طرابلس آملا أن يعود منها بجموع تنصره، وترك الحكم فى تونس لابنه محمد الملقب بأبى ضربة، وأخذ يكوّن فى طرابلس جيشا فتح به كثيرا من البلدان الليبية، غير أن أمير قسنطينة تغلب على ابنه أبى ضرية، وشعر أن وضعه فى طرابلس لم يعد آمنا، فرحل من طرابلس بحرا إلى الإسكندرية وحلّ بها ضيفا على السلطان قلاوون إلى أن توفّى، أما طرابلس فقد ترك الحكم فيها إلى صهره محمد بن عمران، وظل يلى شئونها إلى أن ثار عليه أهلها سنة ٧٢٤ هـ/١٣٢٣ م واختاروا بعده لحكمهم شخصا من أسرة طرابلسية نابهة هو ثابت بن محمد بن ثابت بن عمار، وبه تأسست دولة بنى عمار فى طرابلس من سنة ٧٢٤ للهجرة إلى سنة ٨٠٣ وظل الأميران الأولان من هذه الأسرة يسوسان طرابلس وإقليمها سياسة حسنة، ويقول ابن خلدون إن تجارا من جنوة كانوا يترددون على طرابلس ولاحظوا ضعف تحصيناتها لعهد أميرها الثالث من بنى عمار ثابت بن محمد بن ثابت وأغراهم ذلك بمهاجمتها، وتجمع أسطولهم فى مينائها، وانتشروا فى أسواقها يتظاهرون بأن غرضهم التجارة ومبادلة السلع وفى الليل أو فى إحدى الليالى سنة ٧٥٦ هـ/١٣٥٥ م تسلقوا أسوار طرابلس واستولوا عليها فى غفلة من أهلها، وفرّ ثابت أو حاول الفرار فى أثناء حصارهم لقصره بها، ورآه بعض الأعراب ممن يعادى قبيلته فقتله. وظل الجنويون بطرابلس نحو عام، ودفعت الحمية لأهلها وللدين الحنيف أبا العباس أحمد بن مكى حاكم قابس فى إفريقية التونسية إلى أن يفاوض قائد البحرية الجنوية لإخلائها والنزوح عنها فطلب لقاء ذلك خمسين ألف دينار ذهبا، فجمع ما عنده وأكمل ما بقى من أهل قابس والحامّة وبلاد الجريد، دفعوها له متحمسين، وأداها ابن مكى، وبارح الجنويون طرابلس بعد أن تركوا لهم فيها قنصلية ومستودعا لبيع سلعهم. وتولى شئونها ابن مكى حتى وفاته سنة ٧٦٦ هـ/١٣٦٤ م وخلفه عليها ابنه عبد الرحمن.
وكان أحد أبناء أسرة بنى عمار: أبو بكر بن محمد بن ثابت فرّ عنها-حين نزلها الجنويون-