الشافعى ومذهب ابن حنبل إلا بعد نشوء هذه المذاهب، وقد نشأت الثلاثة الأولى فى القرن الثانى الهجرى، ونشأ الرابع فى القرن الثالث الهجرى على نحو ما هو معروف، وظل بعيدا عن أهل ليبيا لا يعرفه-ولا يعتنقه-أحد منهم، وكان مذهب أبى حنيفة فى العراق بعيدا عنهم، غير أن إمامه لعهد الرشيد: أبا يوسف حمله على أن يخص القضاء فى الدولة الإسلامية جميعها بأهله، فكان يشترط فى القاضى بأى بلد إسلامى أن يكون فقيها حنيفا، وكان إبراهيم بن الأغلب والى الرشيد ومؤسس الدولة الأغلبية فى إفريقية التونسية وطرابلس يصدع هو والحكام من أسرته لمشيئة الرشيد وأبى يوسف فى أن يكون القضاة بدولتهم أحنافا ما أمكن ذلك، مما يجعلنا نظن أنه تولى القضاء فى زمنهم بطرابلس بعض القضاة الأحناف، مما جعل المذهب الحنفى يعرف فيها بعض المعرفة، وبانتهاء زمن الدولة الأغلبية تنتهى صلة طرابلس بالمذهب، حتى إذا والت ليبيا الدولة العثمانية عادت هذه الصلة. إذ كان العثمانيون يفرضون على البلدان الموالية لهم أن يكون قضاتها أحنافا. وكان المذهب الشافعى قد انتشر بمصر وكثر فقهاؤه، ولا نسمع أن ليبيّا اعتنقه، إذ كان قد جذبهم إليه مذهب مالك أستاذ الشافعى وإمام المدينة والحجاز. ولم يكد يبقى فى علماء ليبيا بقية لمذهب سواه، وخاصة أن نفرا منهم كانوا قد حضروا دروس مالك وحملوا عنه كتاب مذهبه: الموطأ وأخذوا يشيعون المذهب فى ليبيا على نحو ما نعرف عن معاوية بن محمد الحضرمى الطرابلسى تلميذ مالك، وكان قد حمل المذهب عنه جلة من الفقهاء المصريين، فكان الليبيون يأخذون عنهم مثل إبراهيم بن أبى الفياض فقيه برقة المتوفى سنة ٢٤٥ تلميذ عبد الله بن وهب بالفسطاط حامل مذهب مالك عنه إلى مصر، أو بعبارة أدق أحد حملته عنه المصريين المهمين، وكان سحنون إمام المذهب فى المغرب وحامله عن عبد الرحمن بن القاسم فى مصر قد نزل قبل قدومه إلى القيروان فى أجدابية بليبيا سنة ١٩١ وأذاعه فيها وانتقل إلى طرابلس وظل بها ثلاث سنوات يدرس لأهلها المذهب ويشيعه، ويلقانا فقهاء ومالكية كثيرون فى بلدان ليبيا المختلفة مثل ابن أبى زرعة البرقى المتوفى سنة ٢٤٩ وله مؤلفات مختلفة فى المذهب ورجال الموطأ وزيادات على مختصر الفقيه المالكى المصرى ابن عبد الحكم ذكر فيها اختلافات فقهاء الأمصار، ونلتقى فى مدينة سرت بعبد الجبار بن خالد السرتى المتوفى سنة ٢٨١ للهجرة، وهو من تلامذة سحنون، وممن نلتقى به فى طرابلس موسى بن عبد الرحمن بن حبيب القطان المتوفى سنة ٣٠٦ وهو تلميذ محمد بن سحنون خليفة أبيه فى حلقته بالقيروان، وتولى القضاء ببلدته فترة، ويقول ابن فرحون فى الديباج إنه كان يحسن الكلام فى الفقه على مذهب الإمام مالك، ويذكر له كتابا ضخما فى أحكام القرآن فى اثنى عشر جزءا، ونلتقى فى برقة بالفقيه المالكى عبد الله بن إسماعيل البرقى المتوفى سنة ٣١٧ ومرّ بنا ذكره مع عبد الجبار البرقى بين الزهاد، ويلقانا فى سرت الفقيه المالكى محمد بن حسن الزويلى السرتى المتوفى سنة ٣٨٣.
ونلتقى بإمام كبير من أئمة الفقه المالكى بطرابلس، هو على بن محمد بن المنمر المتوفى سنة