والحق أن فقهاء المذهب المالكى فى ليبيا يفوتون الحصر، مثلها فى ذلك مثل الأقاليم المغربية المختلفة، وكانت الجماهير فيها جميعا تعتنق مذاهب أهل السنة وخاصة مذهب مالك فهو المذهب الذى ذاع وشاع فى جميع البقاع المغربية، إلا ما كان من جبل نفوسة فى ليبيا وجزيرة جربة فى تونس وبلاد ميزاب فى جنوبى الجزائر، فإنها جميعا اعتنقت العقيدة الإباضية إلى اليوم، ونلتقى بفقهاء لها عديدين فى جبل نفوسة، ومن أوائلهم إسماعيل بن ضرار الغدامسى أحد الذين رحلوا إلى البصرة للتلمذة على أبى عبيدة مسلم بن أبى كريمة داعية العقيدة الإباضية وظل ملازما له خمس سنوات وعاد إلى موطنه فولاّه أبو الخطاب عبد الأعلى المعافرى فى ثورته بجبل نفوسة وطرابلس سنة ١٤٠ القضاء فى دولته ووكل إليه بجانبه شئون التعليم، وأخذ الفقهاء الإباضيون بعده يتكاثرون فى جبل نفوسة ومن أهمهم فى القرن الثالث الهجرى عمروس بن فتح النفوسى المتوفى سنة ٢٨٣ للهجرة وله كتب فى العقيدة الإباضية: فى الأصول والفروع، من أهمها كتاب منسوب إليه يسمى «العمروسى» ولما نزل داعية الإباضية بشر بن غانم الخراسانى جبل نفوسة استودعه مدونة فى الفقه الإباضى رواها عن تلامذة داعية الإباضية الكبير بالبصرة أبى عبيدة مسلم بن أبى كريمة، فتفرّغ هو وأخت له ليل نهار لنسخها، وكانت تقع فى اثنى عشر جزءا، حتى أتمّا نسخها، وتصادف أن الأيام حفظتها بينما احترقت النسخة الأصلية. وعليها اعتماد الإباضية فى الفقه، وهى تقوم عندهم مقام مدوّنة سحنون فى مذهب الإمام مالك. ومن فقهاء الإباضية فى القرن الرابع الهجرى سليمان بن ماطوس الشروسى، وتعد فتاويه مرجعا مهما عند الإباضية، وموسى بن يونس الجلالمى، وقد برع فى الأصول والمنطق والرياضيات وأسس مدرسة كبيرة كان بها أقسام داخلية للطلاب والغرباء، ونلتقى فى القرن الخامس بالفقيه أحمد بن بكر النفوسى مؤسس جماعة العزابة، وكانت لها هيئة عليا وفروع فى كل بلد وقرية تضم خير أهلهما علما وصلاحا، ومهمتها خدمة المصلحة العامة، ولهذا الفقيه الإباضى مؤلفات كثيرة، منها أصول الأرضين فى ستة أجزاء والجامع فى الفروع فى جزءين والقسمة وتبيين أفعال العباد فى ثلاثة أجزاء، ونلتقى فى القرن السادس بيوسف بن إبراهيم السدراتى المتوفى سنة ٥٧٠ وله كتاب العدل فى أصول الفقه وكتاب الترتيب فى علم الحديث، ومن كبار فقهاء الإباضية فى القرن على بن يخلف التّيمجارى النفوسى، ناشر الإسلام فى مملكة مالى فقد رحل إليها سنة ٥٧٥ وأقنع ملكها ووزراءه وأهلها بالدين الحنيف فاعتنقوه، وظل فى ديارهم يعلمهم فرائض الإسلام ويحفّظهم القرآن الكريم ويفقههم فى الدين، وهى يد عظيمة لأباضية نفوسة بجانب الأيادى الأخرى العظيمة لصوفية المغرب ودراويشها فى نشر الإسلام بإفريقية السوداء غربا ووسطا وشرقا. ومن كبار فقهاء الإباضية فى القرن الثامن الهجرى أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالى نسبة إلى جيطال مدينة كبيرة فى جبل نفوسة، توفى سنة ٧٥٠ للهجرة، وهو كثير التأليف، له كتاب فى الفرائض وكتاب فى الحج والمناسك