للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودرّس مثله فى النظامية ببغداد معاصره ومواطنه عبد الله بن مسلم القيروانى النحوى أبو محمد المتوفى سنة ٤٨٨ هـ‍/١٠٩٥ م ويقول القفطى: كان له معرفة بالنحو واللغة. وتكاد تتوقف الحركة العلمية فى الدراسات النحوية نحو قرن أو تزيد بسبب الهجرة الأعرابية وما حدث بعدها من حروب قراقوش وابن قراتكين وابنى غانية: على ويحيى.

وتنهض بالبلاد الدولة الحفصية ويعود إلى الحركة العلمية نشاطها، وخاصة فى مدينة تونس عاصمة تلك الدولة، ويمدّها المهاجرون من الأندلس فى صدر تلك الدولة من كبار العلماء والأدباء بوقود أدبى وعلمى جزل، فتزداد اشتعالا وضياء ونورا. ومن صفوة من هاجر إليها من نحاة الأندلس إمام كبير من أئمة النحو هو ابن عصفور الإشبيلى أبو الحسن على بن مؤمن المولود سنة ٥٩٧ هـ‍/١٢٠٠ م والمتوفى سنة ٦٦٩ هـ‍/١٢٧٠ م وقد رحّب به مؤسس الدولة أبو زكريا واتخذه أستاذا ومعلما لابنه وولى عهده المستنصر، وأسند إليه التدريس فى جامع الزيتونة وفى مدرسته الشمّاعية، وكان يدرس للطلاب كتاب سيبويه وكتاب الجمل للزجاجى والإيضاح لأبى على الفارسى وله عليهما شرحان، كما كان يدرس لهم مصنفيه البديعين: المقرب فى الصناعة النحوية والممتع فى الصناعة الصرفية واتّخذت أعماله فى عصرنا موضوعات للحصول على الدرجات العلمية فى الجامعات العربية لحسن عرضه لمسائل النحو وأبوابه حدودا وترتيبا وتقسيما، وفى كتابنا المدارس النحوية ترجمة له وبيان لبعض آرائه التى انفرد بها بين النحاة، وأخذ عنه فى تونس النحو تلاميذ كثيرون بحيث أصبحت له فيها مدرسة كبيرة، وتذكر أسماء نحاة فى القرون التالية، ومن أهمهم فى العهد العثمانى محمد فتاتة الفقيه فى القرن الثانى عشر الهجرى كان يقرئ الطلاب فى جامع الزيتونة مغنى ابن هشام فى النحو ولعبد القادر الجبالى شرح على شواهد المغنى فى أربع مجلدات ولمحمد سعادة حاشية على الأشمونى سماها تنوير السالك من شرح منهج السالك إلى ألفية ابن مالك، ولمحمد بن على بن سعيد الحجرى المتوفى سنة ١١٩٩ هـ‍/١٧٨٤ م حاشية مطولة على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك.

ومنذ نزول العرب واستيطانهم فى إفريقية التونسية كان كثيرون منهم ينشدون الأشعار العربية ويروونها للأجيال الناشئة، وما يتقدم القرن الثانى الهجرى حتى تتردد فى كتب التراجم أسماء رواة للشعر كان يلتف حولهم الشباب فى القيروان وغير القيروان لكتابة الأشعار وتدوينها، نذكر منهم سليمان بن حميد الغافقى، وله ترجمة فى كتاب الحلة السيراء لابن الأبار، وهو ممن قدموا مع الحملات التى كان يوجهها الأمويون إلى القيروان والمغرب، وله مشاركة فى الأحداث التى مرت بنا أيام عبد الرحمن بن حبيب وقتل أخيه إلياس له وعاش إلى أيام يزيد ابن حاتم المهلبى (١٥٥ - ١٧٠ هـ‍) ويقول ابن الأبار فى التعريف به: «فارس العرب قاطبة بالمغرب فى عصره وأحسن الناس لسانا وأبلغهم، إلى معرفة بأيام العرب وأخبارها ورواية لوقائعها

<<  <  ج: ص:  >  >>