وأشعارها. . حملت عنه نوادر مستطرفة وحكايات مستملحة، وروى له ابن الأبار شعرا فى أحد مواقفه مع بعض ثوار البربر. ومن هؤلاء الرواة المبكرين للأشعار فى القيروان الحكم بن ثابت السعدى، دخل إفريقية-كما يقول ابن عذارى-سنة ١٤٤ هـ/٧٦١ م مع جيش محمد بن الأشعث للقضاء على ثورة الإباضيين فى طرابلس وتونس لعهد المنصور، وكان أحد قواد الجيش وبعد القضاء على تلك الثورة سكن القيروان، حتى إذا تولى الأغلب التميمى بعد ابن الأشعث شهد معه حرب بعض الثوار من البربر سنة ١٥٠ هـ/٧٦٧ م وهو من سلالة سلامة بن جندل الشاعر الجاهلى المشهور، وكان شاعرا ورواية كبيرا للشعر، روى عنه أبناء القيروان كثيرا من أشعار الجاهليين والمخضرمين. ومن هؤلاء الرواة للأشعار الحسن بن منصور بن نافع المذحجىّ، وفيه يقول ابن الأبار:«كان بصيرا باللغة نافذا فى النحو عالما بأيام العرب وأخبارها ووقائعها وأشعارها». وحرى أن نضيف إلى هؤلاء الرواة المبكرين للأشعار الجاهلية والإسلامية المعمر بن سنان التيمى القادم مع يزيد بن حاتم المهلبى فى ولايته، وقد ذكرناه فى نشأة العلوم اللغوية، وأيضا لا بد أن نضيف كبار الشعراء الوافدين على يزيد بن حاتم لمديحه مثل ربيعة الرّقّى الشاعر العباسى النابه وبالمثل من وفد عليه من اللغويين والنحاة أمثال يونس بن حبيب عالم البصرة النحوى واللغوى الكبير، فهؤلاء جميعا شاركوا فى رواية الشعر الجاهلى والإسلامى لشباب القيروان.
ومر بنا أن عبد الملك بن قطن كان يشرح أشعار الجاهليين والإسلاميين ويفسّر معانيها وأنها حين نقلت إلى القيروان ومعها شروحها وجد طلابه أن هذه الشروح تطابق شروحه. ولم تنقل إلى القيروان فى القرن الثالث الهجرى الدواوين القديمة الجاهلية والإسلامية فقط، بل أخذت تنقل أيضا دواوين الشعراء العباسيين ويشهد لذلك ما روى عن أبى اليسر الشيبانى رئيس ديوان الإنشاء المتوفى سنة ٢٩٨ هـ/٩١٠ م من أنه أدخل إلى إفريقية رسائل المحدثين (العباسيين) وأشعارهم، وهو لم يدخل دواوين أمثال بشار وأبى تمام فحسب، بل أدخل أيضا رسائل أمثال عبد الحميد الكاتب وابن المقفع والجاحظ وسهل بن هارون وغيرهم، ومثل ذلك أصبح منذ القرن الثالث الهجرى مدّ أيدى المتأدبين فى القيروان وتلقاء أبصارهم عن طريق من كانوا يرتحلون إلى المشرق-أو يفدون منه-ويحملون نفائسه من الدواوين والرسائل. ومن يقرأ المنتخبات الرائعة من الشعر والنثر التى جمعها أبو إسحاق إبراهيم الحصرى المتوفى سنة ٤١٢ هـ/١٤٢١ م باسم «زهر الآداب وثمر الألباب» و «جمع الجواهر فى الملح والنوادر» يعرف أنه لم يكن فى المشرق ديوان لشاعر عباسى ولا رسائل لكاتب أموى أو عباسى ولا مجموعة فى الشعر أو فى النثر، لم يكن شئ من ذلك كله غائبا عن القيروان وأديبها الحصرى، فقد اختار فى مجموعتيه السالفتين أروع وأبدع ما للمحدثين العباسيين من شعر ونثر وأخبار ونوادر وملح كما يقول، حتى لنجد عنده قطعا من نصوص أدبية مفقودة إذ نراه مثلا يختار لسهل بن هارون قطعا