عليه بمسجد إقرائه كتاب التيسير فى القراءات السبع للدانى. وأشهر القراء بعده محمد بن بدّال المتوفى بمنتصف القرن الثامن الهجرى وكان يدرس لطلابه قصيدة الشاطبى فى القراءات: حرز الأمانى ويفسر أبياتها لهم، ولجمال ترتيله وحسن صوته كانت تشدّ إليه الرحال لسماعه، وكان السامعون من حوله يرون بين خاشع وباك وداع. وكان يعاصره محمد بن محمد بن حسين الأنصارى، وكان يقرئ تلاميذه بقراءة الأئمة الثمانية، ومنهم الفقيه الكبير محمد بن عرفة الورغمى الآتى ذكره بين الفقهاء والمتوفى فى أوائل القرن التاسع الهجرى وكان مقرئا كبيرا ومجودا عظيما للقرآن الكريم. ويكثر فى ترجمة العلماء أن يقال عنهم إنهم مجيدون فى قراءة القرآن، ونجد فى العهد العثمانى وظيفة فى جامع الزيتونة مخصّصة لقراء القرآن العظيم على كرسى الجامع، وممن تولاها الشيخ على السويسى، وأيضا وظيفة أخرى لشيخ القراء وممن تولاها فى القرن الثانى عشر الهجرى مصطفى الأزميرلي، وكان يعاصر قاره باطاق وله كتاب فى القراءات العشر سماه:«الجواهر النضرة والرياض العطرة فى متواتر القراءات العشرة».
وطبيعى أن كانت الأجيال الأولى فى القيروان وتونس التى اعتنقت الدين الحنيف وأخذت تحفظ بعض آيات القرآن تطلبت معرفة تفسير ما تحفظه، فكان المقرءون الأولون لهم يحاولون إفهامهم ما يحفظونه، وتنشأ فى المشرق حركة واسعة فى تفسير القرآن، ويشتهر عبد الله بن العباس الصحابى الجليل ابن عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإتقانه لتفسيره حتى ليصبح إماما كبيرا فيه، ويحمله عنه تلاميذ مختلفون، ويتوزعون بما حملوه فى البلدان الإسلامية وتحظى القيروان بتلميذ بربرىّ له، هو عكرمة مولاه، ويقول أبو العرب فى طبقات علماء إفريقية وتونس: «كان مجلسه فى مؤخّر المسجد الجامع (جامع عقبة بالقيروان) فى غربى المنارة بالموضع الذى يسمى بالركيبيّة». وما من ريب فى أنه كان يلقى فى مجلسه على الناس تفسير مولاه ابن عباس للقرآن الكريم، وسمعه منه خلق كثيرون من أهل القيروان وغيرهم، وقد أدخل الطبرى تفسيره الذى حمله عن ابن عباس فى تفسيره الكبير بحيث يمكن لباحث أن يستخرجه منه وينشره مستقلا، وما زال عكرمة يلقى دروسه حتى توفى سنة ١٠٥ هـ/٧٢٣ م. ومن المفسرين للذكر الحكيم فى القرن الثانى الهجرى يحيى بن سلام وقد حرّره بالقيروان سنة ١٧٥ هـ/٧٩١ م وكان الطلاب يقصدونه من كل فجّ لسماعه منه، ويذكر أبو العرب فى طبقاته أن عيسى بن مسكين سمع تفسير ابن سلام من موسى بن جرير، كما يذكر أن أسد بن الفرات قاضى القيروان وفاتح صقلية المتوفى سنة ٢١٢ هـ/٨٢٧ م كان يفسر الذكر الحكيم فى بعض مجالسه أو فى بعض دروسه بجامع القيروان، وللمقرئ الكبير مكى بن أبى طالب المار ذكره كتاب الهداية إلى بلوغ النهاية فى معانى القرآن وتفسيره وأنواع علومه: سبعون جزءا، وكتاب الإيضاح فى ناسخ القرآن ومنسوخة ثلاثة أجزاء. ويلقانا فى القرن الخامس لعهد الدولة الصنهاجية مفسر كبير هو على بن