أصبح قاضى القضاة أو رئيسهم حنفيا، وسمّى فيما بعد شيخ الإسلام، ولم يكن حكم للقاضى المالكى ينفذ إلا إذا وافق عليه القاضى الحنفى، وتبع ذلك أن أخذ المذهب الحنفى يدرس فى تونس بالمدرسة الشماعية وغيرها. ومن مشايخ الحنفية فى القرن الحادى عشر الهجرى بالعهد العثمانى ممن ذكرهم ابن أبى دينار فى آخر كتابه «المؤنس» محمد بن شعبان إمام جامع يوسف داى، وأبو الحسن كرباصة المدرس بالمدرسة الشماعية، ويتكاثر بتونس فقهاء الأحناف منذ هذا التاريخ، ويضيف حسين خوجة فى كتابه: بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان جعفر كرباصة. وتنقطع أخبار من ينتمون إلى مذهب الشافعى، ويذكر عن سعيد بن الحداد الفقيه والمتكلم الكبير المارّ ذكره المتوفى فى مطلع القرن الرابع الهجرى أنه بدأ حياته مالكيا، ثم تحول إلى مذهب الشافعى ثم عاد إلى المذهب المالكى.
وكان المذهب المالكى قد أخذ فى الازدهار بالقيروان وإفريقية التونسية منذ مؤسسه أسد بن الفرات بما كان يلقى على الطلاب من مدوّنته الأسدية عن عبد الرحمن بن القاسم إمام المالكية بالفسطاط وكان يعاصره سحنون تلميذ على بن زياد، وقد أخذ عن أسد بن الفرات مدوّنته وحملها معه إلى ممليها عليه عبد الرحمن بن القاسم، وقرأها عليه، فأصلح له جوانب فيها، وعاد بها سحنون إلى القيروان، وأخذ يملى هذه الصورة الجديدة من المدوّنة على الطلاب وجاءوه من كل فجّ حتى قالوا إنه تخرج على يديه سبعمائة فقيه. ونسبت المدوّنة إليه-وكان ينبغى أن تنسب إلى عبد الرحمن بن القاسم-إذ أصبح اسمها مدوّنة سحنون، وطارت شهرتها فى بلده والبلدان المغربية جميعا. وهو أول من أقام نظام الحسبة فى القيروان حين تولى قضاءها سنة ٢٣٤ هـ/٨٤٨ م إلى وفاته سنة ٢٤٠ هـ/٨٥٤ م وخلفه فى حلقته ابنه محمد المتوفى سنة ٢٥٦ هـ/٨٦٩ م ويذكر مترجموه له تآليف مختلفة ومرّ بنا كتابه:«آداب المعلمين». وكان يعاصره محمد بن إبراهيم بن عبدوس المتوفى سنة ٢٦٠ هـ ا ٨٧٣ م وكان جيد القريحة غزير الاستنباط، وله كتاب فى شرح مسائل مدونة سحنون، ويقال إنه لما تصفّح محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إمام المالكية فى الفسطاط بعد ابن القاسم كتابه وبعض كتب محمد بن سحنون قال فى كتاب ابن عبدوس: هذا كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه، وقال فى كتاب لابن سحنون هذا كتاب رجل سبح فى العلم سبحا. ونلتقى بعدهما بيحيى بن عمر الكنانى المتوفى سنة ٢٨٩ هـ/٩٠١ م وكان فقيها، وله كتاب فى الرد على الإمام الشافعى، وكتاب ثان فى الحسبة بعنوان:«أحكام السوق» وهو منشور.
وحين استولى العبيديون على القيروان اضطهدوا فقهاء المذهب المالكى إذ حاولوا نقلهم من المذهب المالكى السنى إلى مذهبهم الإسماعيلى فعارضوهم، وناظروا دعاتهم مناظرات حادة، وكان من أهم المعارضين لهم والمناظرين المجادلين لدعاتهم محمد بن اللباد رئيس المالكية وإمامهم