المتوفى سنة ٨٠٣ هـ/١٤٠٠ م، شيخ شيوخ عصره، كما يقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب، ويفتتح ابن فرحون ترجمته بقوله:«هو الإمام العلامة المقرئ الفروعى الأصولى البيانى المنطقى شيخ الشيوخ، وبقية أهل الرسوخ، وله تآليف منها تقييده الكبير فى المذهب المالكى فى نحو عشرة أسفار، أقبل الناس على تحصيله شرقا وغربا». ومن تلاميذه فى القرن التاسع الهجرى محمد بن عمر الأبّى المذكور بين المفسرين والمحدّثين، وله فى الفقه شرح على مدوّنة سحنون.
طبيعى أن يتراجع ازدهار دراسات الفقه المالكى فى العهد العثمانى، وخاصة منذ عد يوسف داى فى النصف الأول من القجن لحادي عشر الهجرى، إذ أصبح رئيس القضاة حنفيا، وأصبح حكم القاضى المالكى لا ينفذ إلا بعد مصاده عليه، ويذكر ابن أبى دينار فى آخر كتابه المؤنس من فقهاء المالكية بالقرن الحادى عشر محمد فتاتة المدرس فى جامع الزيتونة، ومثله سعيد الشريف وعبد القادر الجبالى، وتظل دراسة الفقه المالكى ناشطة فى جامع الزيتونة إلى العصر الحديث.
ويضيف حسين خوجه فى كتابه ذيل بشائر أهل الايمان بفتوحات آل عثمان: سعيد الشريف ومحمد الحجيّج وله حاشيتان على مختصر خليل فى الفقه.
ومن يقرأ كتب تراجم العلماء والفقهاء-منذ القرن الثانى الهجرى يشعر كأنما كانت القيروان مرآة للمذاهب الكلامية التى نشأت فى العراق، إذ كانت مبادئها ونظرياتها تثار فى القيروان، ويتحاور فيها ويتجادل كثيرون، ومن أوائل ما كان من ذلك الجدل فى مبادئ الخوارج، وخاصة مبادئ الإباضية والصّفرية التى اعتنقها كثيرون من أهل المغرب-منذ أوائل القرن الثانى الهجرى-وكانت قد اقترنت بهما فى المشرق فكرة المسلم مرتك الكبيرة أما الصفرية فذهبت إلى الحكم عليه بالكفر وغالت فى سفك الدماء كما مر بنا فى الفصل الماضى، وقالت الاباضية إنه كافر نعمة لا كافر ملة وحكمت عليه بأنه مسلم عاص ولم تعدّ دار المسلمين -مثل الصفرية-دار حرب، وذهب أهل السنة من المالكية وغيرهم إلى أنه مسلم فاسق، وذهبت المرجئة إلى إرجاء الحكم عليه لربه يوم القيامة، كما ذهبت إلى أنه يكفى فى الإيمان القول أى التلفظ بالشهادتين، ولا ضرورة فيه للعمل، وهو أداء الفروض الدينية، بينما أهل السنة يرون أن الإيمان قول وعمل، فمن لم يؤدّ الصلاة والفروض الدينية لا يعد مسلما. ويروى أبو العرب فى ترجمة يحيى بن سلام المتوفى سنة ١٧٥ للهجرة والمذكور بين المفسرين أنه كانت تجرى مناقشات بمجلسه فى الإرجاء. وكان مذهب الاعتزال والمعتزلة قد ازدهر بالمشرق فى القرن الثانى الهجرى وتجادل أهل البصرة وبغداد طويلا ومبادئه الخمسة المشهورة وهى القول بالوحدانية وبأن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين الإيمان والكفر، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والقول بالعدل على الله وأنه يعمل الأصلح لعباده، وأنه منفذ-لا بد-وعده ووعيده.