للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه يقول ابن شرف القيروان (١):

شهاب الحرب مهلك كلّ باغ ... ومحرق كل شيطان رجيم

تقطّع دونه البيض المواضى ... وتجفل منه إجفال الظليم (٢)

ويجلو عنه ليل النّقع وجه ... كبدر التّمّ فى الليل البهيم (٣)

فهو لا يهلك البغاة فحسب، بل يدمرهم ويحرق شياطينهم الملعونين، كأن لم يكونوا شيئا مذكورا، ومن دونه تقطّع السيوف الحداد القاطعة، وتنفر منه نفور النعام فى البوادى، حتى إذا أثير بالغبار الكثيف فى الحرب تجلى وجهه كما يتجلّى البدر فى اكتماله بالظلام المعتم الداجى.

وكان يعاصر ابن شرف الحسن بن رشيق القيروانى شاعر المعز وسنفرده بكلمة. وخلف المعز فى المهدية ابنه تميم، وكان محبا للعلماء ومعظما للشعراء وقصدوه من الآفاق البعيدة، وله أشعار جيدة، وفى عهده أغار أسطول النصارى على المهدية وعاثوا فيها فسادا سنة ٤٨٠ هـ‍ إلى أن انسحبوا منها بعد صلحهم مع تميم، ووصف شاعره أبو الحسن الحداد هذه الحادثة فى قصيدة فائية استهلها بقوله (٤):

أنّى يلمّ الخيال أو يقف ... وبين أجفاننا نوى قذف (٥)

وخلف تميما ابنه يحيى، وبه نزل أمية بن أبى الصلت الشاعر الأندلسى الكبير فأغدق عليه من إكرامه وكذلك ابنه على وحفيده الحسن وأغدق عليهم من مدائحه، وبنى علىّ أسطولا للقاء روجار وحماية المهدية فتبارى الشعراء فى مديحه بسببه من مثل محمد بن بشير المهدوى وغيره، وكان متولى قابس رافع بن جامع الهلالى مدّ يده إلى روجار ضده وضد العرب فصمّم على فتحها وتم له ذلك سنة ٥١١ وتبارى الشعراء فى تهنئته بهذا الفتح من مثل قول محمد بن بشير الذى يتهم رافعا بأنه أصبح نصرانيا (٦)

سل رافعا ما الذى أجرى تنصّره ... وهل يقى الذلّ عنه من به وثقا

لو لم ير الروم أهلا والصّليب أبا ... لم يشك من عيشه فى قابس رنقا (٧)

يقول له إن حياته فى قابس كانت صفوا هنيئة لولا ما كدرها من تعاونه مع روجار وأعوانه


(١) الأنموذج ص ٣٤٢.
(٢) البيض المواضى: السيوف القاطعة. تجفل: تفر وتفزع.
(٣) النّقع: غبار الحرب.
(٤) الحلل السندسية ٢/ ٤٦٨. قذف: بعيدة.
(٥) قذف: بعيدة.
(٦) الحلل ٢/ ٣٥٥ وقابل بتاريخ الأدب التونسى ص ١٧٦.
(٧) الرنق: الماء الكدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>