للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النصارى حتى لكأنما فارق دينه وتنصر بوقوفه مع أعداء الإسلام لا يذكر عهدا ولا ذمة.

وفى أواخر عصر الطوائف يلقانا مدافع بن رشيد من بنى جامع الهلاليين وكان شجاعا حتى لقّب بأبى الحملات، كما كان جوادا ممدّحا، وذكر صاحب الخريدة من مداحه أبا محمد الكلبى والسكدلى القفصى ويحيى بن التيفاشى، وأهم شعرائه جميعا سلام بن فرحان القابسى جليسه ووزيره، وأنشد له العماد فى مديحه ميمية بديعة يقول فيها (١):

هنّئ مدافع أن الله خوّله ... سعدا ينال به كلّ الذى راما

قم فافتح الأرض فالأملاك كلّهم ... سواك أضحوا عن العلياء نوّاما

وكان فى نفس الحقبة أميرا على سوسة جبارة بن كامل بن سرحان البعيد الصيت المشتهر بالجود، وهو هلالى مثل مدافع أمير قابس وشاعره ابن فرحان، ومن مداحه أبو الحسين بن الصبان المهدوى وفيه يقول (٢):

فتى للعشيرة عزّ لها ... غدا لجميع البرايا ثمالا

فهو ثمال وغياث لا للعشيرة وحدها بل لجميع الناس، وأهم منه بين شعراء جبارة التراب السوسى، وسنخصه بترجمة موجزة.

ونمضى إلى عصر الدولة الحفصية وكان مؤسسها أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد، وكان شاعرا محسنا، وله أشعار حماسية جيدة وفى موضوعات مختلفة، واهتم بالحركة العلمية والأدبية فى عهده، وفسح فيها وفى دولته للمهاجرين الأندلسيين، ولهم فيه ولمعاصريهم من التونسيين مدائح كثيرة، وهو جدير بها لما امتاز به من بعد النظر وحسن التدبير مع سمو الهمة، وكان يتلقب بالأمير فحسب، وعرّض له بعض الشعراء بأنه ينبغى أن يتسمى بأمير المؤمنين قائلا (٣):

ألا صل بالأمير المؤمنينا ... فأنت بها أحقّ العالمينا

فزجره زجرا شديدا، ولم يقبل منه ذلك. حتى إذا تولى ابنه المستنصر عمل على أن تأتيه البيعة بالخلافة كما مر بنا فى تاريخه، وكان ذلك من أسباب تكاثر العلماء والأدباء والشعراء فى تونس، إذ أصبحت تعدّ نفسها-من بعض الوجوه-حامية حمى الإسلام. ومن أهم شعرائها ابن عريبة وسنخصه بكلمة. وحدّثت نفس لويس التاسع بعد إخفاق حملته على مصر أن يغير على تونس سنة ٦٦٨ للهجرة وحاصرها نحو أربعة أشهر، وكان عداد جيشه الذى هاجم به


(١) الخريدة (قسم شعراء المغرب) طبع تونس ١/ ١٢٤.
(٢) الخريدة ١/ ١٣٨.
(٣) الحلل السندسية ٤/ ١٠٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>