للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصر سبعين ألفا فأصبح لا يرى فيه إلا قتيل أو أسير أو جريح، وقيّد لويس إلى دار تعرف بدار ابن لقمان والأغلال فى يده وحارسه الطواشى صبيح، وافتكّ نفسه من الأسر بدية كبيرة، فقال للويس بعض التونسيين مشيرا إلى كارثته بمصر (١):

يا فرنسيس هذه أخت مصر ... فتأهّب لما إليه تصير

لك فيها دار ابن لقمان قبر ... وطواشيك منكر ونكير

وصدّقت الأقدار قول هذا الشاعر التونسى فإن لويس دفن تحت سور تونس، وعاد جيشه إلى فرنسا مخذولا مدحورا. ولم يخل حكم المستنصر من عصيان بعض القبائل عليه فى الجهات النائية، وعصت عليه رياح فى جهة بسكرة، ووصلت إليه جماعة منها على غير أمان، فصلب أبدانهم ببسكرة ورءوسهم بتونس، وفى ذلك يقول أبو عبد الله بن أبى تميم الحميرى مادحا للمستنصر (٢):

ويا حسن ما قرّت به أعين الورى ... رءوس رياح فى رءوس رماح

فهذى دماء المارقين مباحة ... وهذا حمى الإسلام غير مباح

بمستنصر يرمى العدا بكتائب ... تعمّ نواحى أرضهم بنواح

ويظل خلفاء المستنصر معنيين بالحركتين الأدبية والعلمية. ويشتهر بين كتاب دواوينهم وشعرائهم آل التجانى وتنبغ فى الشعر بين نسائهم زينب بنت إبراهيم التجانى، ولهم أثر غير قليل فى الحركة الأدبية حتى زمن الخليفتين أبى عصيدة وأبى ضربة. واشتهر بين مداح الخلفاء فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى، بل قبل ذلك بفترة عبد الله التجانى صاحب الرحلة المشهورة المتوفى بعد سنة ٧١٨ وسنخصه بكلمة، وكان يصادق كبير مشيخة الدولة أبا يحيى اللحيانى الحفصى وتولى الخلافة حينا. وممن خلفوه أبو بكر المتوكل، وكان شاعرا وفى شعره وشعر معاصريه من أهل تونس يقول ابن فضل الله العمرى فى مسالك الأبصار: «لأهل إفريقية (تونس) لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل برّ العدوة (المغرب) وسائر بلاد المغرب بمجاورتهم مصر وقربهم من أهلها ومخالطتهم إياهم ومخالطة من سكن عندهم من أهل إشبيليّة من الأندلس وهم من هم خفة روح وحلاوة بادرة، وأهل انطباع، وكرم طباع، وناهيك من بلاد من شعر ملكها السلطان أبى بكر المتوكل قوله:


(١) الحلل ٤/ ١٠٣٢.
(٢) الفارسية لابن منقذ تقديم وتحقيق محمد الشاذلى النيفر وعبد المجيد التركى ص ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>