مواطننا فى دهرهنّ عجائب ... وأزماننا لم تعدهن الغرائب
مواطن لم تحك التواريخ مثلها ... ولا حدّثت عنها الليالى الذواهب
وقوله فى الحماسة:
انظر إلينا تجدنا ما بنا دهش ... وكيف يطرق أسد الغابة الدّهش
لا تعرف الحادث المرهوب أنفسنا ... فإننا بارتكاب الموت ننتعش
وقوله فى الغزل:
عسى الله يدنى للمحبّين أوبة ... فتشفى قلوب منهم وصدور
وكم من قصىّ الدار أمسى بحزنه ... فأعقبه عند الصباح سرور
وإذا كان هذا رقة طبع السلطان فما ظنك بغيره من العلماء والأدباء (١)! ». ولعل هذا الحكم الدقيق لابن فضل الله العمرى خير رد على ابن خلدون المتوفى بعده بستين عاما وما ذهب إليه فى مقدمته من عراقة العجمة فى لغات أهل الأمصار، كما هو واضح-كما يقول-فى لغات أهل إفريقية وأشعارهم، ويتسع بالتهمة فى الإقليم التونسى قائلا:«ولهذا ما كان بإفريقية من مشاهير الشعراء إلا ابن رشيق وابن شرف، وأكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها، ولم تزل طبقتهم فى البلاغة حتى الآن مائلة إلى القصور». وابن فضل الله العمرى إنما يتكلم عن شعراء الإقليم التونسى فما بالنا بالقرون التالية لابن رشيق وابن شرف ومن بها من الشعراء التونسيين المجيدين المحسنين، من أمثال على الحصرى وعبد الله الشقراطسى من شعراء القرن الخامس بعد ابن رشيق وابن شرف وأبى الفضل بن النحوى والتراب السوسى من شعراء القرن السادس وابن عريبة والسّماط المهدوى من شعراء القرن السابع وعبد الله التجانى وابن حسينة من شعراء القرن الثامن، وجميعهم ممن تباهى بهم تونس، وسنترجم لهم فى الصحف التالية محاولين أن نوضح براعاتهم الشعرية، ونفس ابن خلدون كان شاعرا وله مدائح فى السلطان أحمد معاصره، وهو لا يتفوق فى شعره تفوقه فى نثره، ولذلك سنترجم له بين الكتّاب.
وفى الحق أنه قسا فى حكمه على شعراء تونس وبالغ فى قسوته. وفى سنة ٨٣٨ تولى أبو عمرو عثمان حتى سنة ٨٩٣ وهو خاتمة خلفائهم الضابطين للحكم وإدارته، وفى الحلل
(١) صبح الأعشى ٥/ ١١٥ وقارن بتاريخ الأدب التونسى ص ١٨٥.