للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السندسية أنه ممدوح الشهاب ابن خلوف (١) الجزائرى المتوفى سنة ٨٩٩ وله فى مديحه (٢):

تلقاه أنّى حلّ يبسط للقرى ... بسطا يظلّلها القنا الرّيان

شرف أتيه وبيت ملك شامخ ... فوق السّماك غدا له إيوان

فهو جواد لا يزال جوده يفيض فى كل مكان يحل فيه، ولا تزال رماح شجاعته وشجاعة جيشه تظلّه وتظل من حوله من رعاياه، شرف ناله من بيت ملك سامق، إيوانه فوق السماك فى أعلى مكان. ويختم العصر الحفصى بأبى الفتح بن عبد السلام الذى بكى الدولة الحفصية وتاريخها بكاء حارّا.

ويعود إلى المديح والشعر بعامة غير قليل من الانتعاش فى عصر الدولة الحسينية، العثمانية كما أسلفنا إذ كان حكامها يولدون بتونس ويتربون فيها تربية عربية، وأخذوا يشعرون بأنهم تونسيون وأن واجبهم أن ينهضوا بتونس علميا وأدبيا وهو ما وضعه نصب عينيه مؤسسها حسين بن على، وبالمثل على ابن أخيه حين استولى على الحكم، ودارت الدوائر عليه لابن عمه محمد الرشيد، فاستولى على صولجان الحكم، وكان شاعرا بارعا وموسيقيا ماهرا فبث فى تونس حركة أدبية وموسيقية تخفق بالحياة، وسار سيرة أبيه وابن عمه فى تشجيع العلماء والشعراء، ولم يلبث أن توفى فخلفه أخوه على الثانى، وتعرّض حكمه لهزات عنيفة كانت له فيها دائما الغلبة، وخلفه ابنه حمودة وكانت أيامه أيام رخاء ويسر، ونعمت فيها الرعية بالأمن والاستقرار ورخاء الأسعار وصلاح البلاد، فكان طبيعيا أن يكون القرنان الحادى عشر والثانى عشر الهجرى قرنى عمران وخصب فى الحياتين العلمية والأدبية، غير أن تونس أصابها حينئذ ما أصاب البلاد العربية من تخلف فى الحياة العلمية، فغدت تعتمد على المتون والشروح وكأن ابن خلدون لم يخلّف وراءه فيها من ينهض بالحياة العلمية فى المستوى الذى كتب فيه مقدمته، وأيضا فإن الحياة الأدبية-وحياة الشعر خاصة-أصابها غير قليل من التخلف، إذ أخذ الشعراء يرتضون لأنفسهم الاكتفاء فى كثير من الأحيان بأن يعارضوا هذا الشاعر أو ذاك من شعراء الأسلاف، فإن تركوا المعارضة فإلى تمسك شديد بفنون البديع وخاصة فن التورية، وبذلك ضيّقوا على أنفسهم القنوات التى ينبغى أن يجرى فيها الشعر وملئوها بما لا يحصى من المحسنات البديعية، وهى محسنات كانت من الكثرة بحيث كادت تخنق الشعر خنقا، ونصبح وكأننا فى حاجة إلى مصباح ديوجين لنجد شاعرا تونسيا يخلص أشعاره من هذه الأعشاب والمعوقات الضارة التى تكاد تفقدها الحياة، ومع ذلك لن نعدم أن نجد بين شعراء المديح من يخفف عن شعره عبء


(١) الحلل ٤/ ١٠٨٤.
(٢) ديوان شهاب الدين بن الخلوف (طبع تونس) ص ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>