للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو على بن إبراهيم، وسنفرده بكلمة. وبالقرب من توزر شطّ الجريد وبه سبخة إذا حاد سالكها عن طريقه غاص فى رمالها ولم ير له أثر، وتسمّى التاكمرت وماؤها ملح أجاج، وهواؤها شديد الحرارة ملئ بالرمال العاصفة، وقد وصفها ابن حسينة المتوفى حوالى سنة ٧٤٠ هـ‍/١٣٤٠ م قائلا (١):

قطعنا التاكمرت سرى وسرنا ... صبيحة يومنا حتى الزّوال

فلا تسأل لما قاسيت فيه ... من الأهوال والكرب الثّقال

فليل لا تسير به نجوم ... كأن نيطت إلى بعض الجبال

وأرياح تصمّ الأذن منها ... تهبّ عن اليمين مع الشمال

تصدّ عن الطريق القصد قصدى ... وتضرب حرّ وجهى بالرّمال

ولا أسطيع فتح العين فيها ... لبعض الأمر إلا باحتيال

يقول ابن حسينة إنه قطع التاكمرت فى ليلة وصبيحة يوم حتى الظهر وقد قاسى من الأهوال والكرب الثقيلة ما يعزّ وصفه، فالليل طويل حتى كأنما علقت نجومه ببعض الجبال فهى لا تتحرك، والرياح تهب ذات اليمين وذات الشمال محملة برمال تصكّ الآذان ضاربة الوجوه بحصبائها وملقية ستارة كثيفة على الأعين حتى لا يمكن فتحها إلا بضروب من الاحتيال.

ويقول محمد الظريف المتوفى سنة ٧٨٧ هـ‍/١٣٨٦ م فى وصف روض (٢):

الروض أصبح يجلى فى غلائله ... وأنشد الطير فوق الغصن وارتجلا

وألقت القضب من أوراقها بسطا ... وألبس الرّوض من أنواره حللا

وقبّل الطّلّ خدّ الأرض فابتسمت ... أزهارها فغدت تزهو بحسن حلى

والورد لما اعتلى من فوق وجنته ... ماء الحياء بدا فى خدّه خجلا

فالروض يجلى فى أجمل ثيابه البديعة، والطير يتغنى فوق الغصون، وألقت الأغصان على الثرى بسطا خضراء من أوراقها، ولبس الروض حللا من أنواره وأزهاره وقبّل الطّل خدود الأغصان فابتسمت أزهارها وافتخرت بأجمل حلى، أما الورد فقد اعتلى فوق وجنته ماء الخفر، فبدت حمرة الخجل فى خدّه، ويقول الأمير محمد الرشيد الحسينى فى وصف الربيع (٣):

قدم الرّبيع ووجهه يتهلّل ... والطّلّ يلثم خدّه ويقبّل

فتدفقت أنهاره وتفتّقت ... أزهاره والدّوح خود ترفل


(١) الحلل السندسية ٢/ ٣٩٢.
(٢) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢١٦.
(٣) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>