للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقلائد موشّية بزبرجد ... تيجانها بيد الرّذاذ تكلّل

والرّعد يضرب بالطبول وبرقها ... كالشّمع تطفيه الرياح فيشعل

فالربيع وفد بوجهه المتهلل يعانق الطّلّ ويقبله مرارا وتكرارا، والأنهار تدفقت والأزهار تفتّحت والأشجار تتبختر بقلائد مزينة بزبرجد، بينما يتوّجها المطر بالأزهار، وكأنما الرعد يضرب بطبول ابتهاجا بالربيع، وأمامه شموع البرق فرحة به، وكلما أطفأتها الرياح عادت أكثر اشتعالا وأوفر ضياء.

وإذا تركنا الطبيعة الصامتة إلى الطبيعة الحية وجدنا الشاعر التونسى يكثر-كما أكثر سلفه المشرقى من قديم-من وصف الحمام والديكة والفرس، وينشد ابن رشيق فيها جميعا أشعارا كثيرة، من ذلك ما أنشده لعنترة التميمى الذى كان مفتونا بالحمام الداجن، وفى صفات أحدها يقول (١):

وأصفر فاقع لا عيب فيه ... يفوت-إذا ونى-عصف الجنوب

كأن الشمس يوم الصّحو ألقت ... عليه رداءها عند الغروب

وتنظر شخصه الألحاظ عشقا ... كما نظر المحبّ إلى الحبيب

فهو أصفر فاقع لونه لا عيب فيه، يفوت الريح حين يطير حتى لتعجز عن مداه، وكأنما الشمس ألقت عليه رداء أصيلها الذهبى، وإنه ليفتن الأبصار حين تنظر إليه ويخلب لبها كما يخلب المحبوب لب محبّه. ويقول ابن الغطاس فى وصف طائفة من الحمام (٢):

توسّدن مطوىّ الجناح كأنما ... لهنّ حشايا فوقه ودرانك (٣)

وملن على خضر الغصون كأنما ... لهنّ على قضب الأراك أرائك (٤)

ولا شدو إلا ما تصوغ لحونها ... ولا دمع إلا من جفونى سافك

فقد اتخذن من أجنحتهن وسائد، وكأنها لهن كالحشايا والطنافس للإنسان، وقد اتخذن من غصون الأراك أرائك ومقاعد ينزلن عليها للراحة، وما أجمل شدوها وغناءها وما تصوغ منهما من لحون تثير فيه الشجن، وإن دموعه لتنزل مدرارا. ويلتفت عبد الرازق بن على النحوى إلى قمرىّ من الحمام على غصن شجرة ينوح فيخاطبه قائلا (٥):


(١) الأنموذج ص ٣١٧.
(٢) الأنموذج ص ٢٣٤.
(٣) درانك: بسط وطنافس.
(٤) الأراك: شجر. أرائك: مقاعد.
(٥) الأنموذج ص ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>