أقمرىّ أيك الجزع هل أنت جازع ... وهل لك إلف نازح عنك نازع
وفى لحنك المسجوع فى رونق الضّحى ... دليل أسى لو أنّ جفنك دامع
أثار كمين الشوق أنك صادح ... وإن كان لا يدرى مرادك سامع
كأن نسيما للشّمال وللصّبا ... نسيب الصّبا طيبا إذ الشّمل جامع
وإذ ليس سر للمسرّة ذائع ... وليس ذمام بالمذمّة ضائع
وهو يخاطب قمرى أيك الجزع متعجبا ومتسائلا إذ يراه ينوح هل هو جزع لا يستطيع صبرا على فراق أليفته وصاحبته التى نزحت بعيدا عنه مثله، ويقول له إن فى نبرات صوتك أسى وحزنا عميقا وإن جفونه لا تريحه بدموع تخففه عنه، ويذكر أنه أثار فى نفسه بصراحة كوامن حبه ولواعجه، وإن كان أحد لا يدرى مقصدك من نواحك فقد استعدت لى ذكرى محببة، حتى كأنما تهب علىّ صبا كنسيب الصّبا طيبا حين كان الشمل ملتئما بالمحبوبة، ونعيش فى سرور دائم وعهد وثيق.
وسنخص عبد الواحد بن فتوح المتغنى بالديكة والحمام بكلمة. وأكثر شعراء القيروان وتونس من وصف الخيل وخاصة الفرس، إذ كانت أمتهما أمة حرب ونزال، ومن ذلك أن أبا الحسين الكاتب الذى مرت بنا مقطوعة له فى وصف أمواج البحر يصف فرسا أشقر له قائلا (١):
لى فرس قد حسنت حاله ... واستكمل الإعجاب إكماله
أشقر كالتّبر جلا لونه ... عن محضه بالسّبك صقّاله
كأنما البدر إذا ما بدا ... غرّته والشمس سرباله
كأنّ فى حلقومه جلجلا ... حرّكه للسّمع تصهاله
وهو فرس بلغ الغاية من الحسن حتى ليعجب به كل من يراه، فرس أشقر شقرة ناصعة، جلاه فيها صانعه أتمّ جلاء، وكأنما البدر غرته البيضاء المشرقة وكأن الشمس رداؤه الذهبى الدّرىّ، وكأن فى حلقومه جرسا ما يزال يرنّ بصهيله، ومع هذه الأبيات أبيات أخرى بديعة، ويعلق عليها جميعا ابن رشيق بقوله: «هذا شعر جمع شذور الحسن واشتمل على فنون الملاحة، حتى خلطت حقيقته بمجازه، وطوى إسهابه فى إيجازه، واشتبه حوكه بطرازه، ونهضت صدوره بأعجازه، وأما التجنيس والطباق، والمقابلة والاتفاق، فمن حلاه المشهورة، وصفاته المذكورة».
وكان الخليفة الفاطمى بالقاهرة: نزار رأى أن يرسل إلى المنصور بن بلكين الصنهاجى واليه
(١) الأنموذج ص ٣٦١.