منهم متميز بما يودع الله فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه، حتى يتم له الحكم فيهم من غير إنكار. ويفيض فى الحديث عن العمران بالأرض وأقاليمها ومدى تأثير البيئة فى السكان سواء فى الألوان أو فى الأخلاق.
والباب الثانى يتناول العمران البدوى مع مقارنات بالعمران الحضارى وبيان أن الأمم الوحشية تتغلب على ما لا يبلغها فى الوحشية من الأمم، ويقول إن الانغماس فى الترف من عوائق الملك، وإن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب، وإن تغلب العرب على الأوطان يسرع إليها بالخراب وإنهم أبعد الناس عن سياسة الملك. وظن بعض الباحثين أنه يريد العرب عامة، وهو إنما يريد الأعراب المتبدين الجفاة من أمثال بنى هلال وبنى سليم الذين سبق أن تحدثنا عنهم وعن سيولهم التى قدمت إلى إفريقية وخرّبت القيروان وغيرها من المدن فى القرن الخامس الهجرى.
والباب الثالث عن الملك وأصنافه وأنه يحصل بالعصبية وحين يسود فيه الترف يفضى إلى الهرم، ويقول إن الدول تنتقل من البداوة إلى الحضارة وإن لها أعمارا مثل الأشخاص، ويتحدث عن الخلافة وانتقالها إلى الملك كما يتحدث عمن تستعين بهم الدول من الوزراء والحجاب والعمال والكتاب ورجال الشرطة وقواد الجيش، وعن الحروب والجباية والمكوس، ويقول إن التجارة من السلطان مفسدة للرعية، وبالمثل تفرده هو وحاشيته بأكبر نصيب من دخل الدولة.
وليس شئ يؤذن بخراب العمران مثل الظلم، ولا بد للعمران البشرى من سياسة عادلة ينتظم بها أمره. والباب الرابع عن البلدان والأمصار وما يجب مراعاته فى أوضاع المدن، ويقول إن الحضارة غاية العمران غير أنها تعدّ لفساده. والباب الخامس عن المعاش (الاقتصاد) ووجوهه من الكسب ويقول إنه: «إما أن يكون بالاستيلاء عليه من يد الغير على قانون متعارف ويسمى مغرما وجباية وإما أن يكون باقتناص الحيوان الوحشى وأخذه برمّته ويسمى ذلك اصطيادا، وإما أن يكون من نتاج الحيوان الداجن كاللبن من الأنعام والحرير من دوده والعسل من نحله، وإما أن يكون من الزّرع نباتا أو شجرا ويسمى ذلك فلاحة أو فلحا، وإما أن يكون من الأعمال الإنسانية فى مواد معينة وتسمى الصنائع من كتابة ونجارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال ذلك، وإما أن يكون من البضائع وأعدادها للأعواض (١)، ويسمّى ذلك تجارة». ويفصّل القول عن الفلاحة وعن التجارة وأصنافها وما يحدث فيها من الاحتكار، ويقول إنه يعود على صاحبه بالتلف والخسران، وإنه هو الذى اعتبره الشارع أخذ أموال الناس بالباطل، ويفيض فى الحديث عن أمهات الصنائع ويذكر من بينها صناعة التوليد وصناعة الطب ويفصّل القول فيهما كما يفصله فى صناعة الغناء وأنغامه وآلاته وتطوره من الجاهلية إلى زمنه.