للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإفريقية التونسية من أن الأمير الأغلبى إبراهيم بن أحمد (٢٧١ - ٢٨٩ هـ‍) مؤسس بيت الحكمة فى عاصمته رقّادة تخيّر بعض المصنّفات اللاتينية فى العلوم الرياضية التى اطلع عليها، وكلّف بترجمتها بعض الرهبان الصقليين المتكلمين باللغة العربية وألحق بهم بعض علماء اللغة من الإفريقيين، وعهد إليهم بمهمة تنقيح عباراتهم وسبكها فى قالب عربى صحيح» ويستظهر أن يكونوا قد نقلوا إلى العربية كتاب بلينوس (Plinius) فى علم النبات، ويذكر ابن جلجل فى كتابه طبقات الأطباء أنه هاجر إلى قرطبة فى عهد عبد الرحمن الناصر (٣٠٠ - ٣٥٠ هـ‍) من صقلية طبيب يدعى أبا عبد الله كان يتكلم اليونانية ويعرف أسماء العقاقير والأدوية، فضمّه الناصر إلى علماء قرطبة وأطبائها ليكون عونا لهم فى ترجمة كتاب ديوسقوريدس المؤلف بالإغريقية عن الأدوية والنباتات. وقد مضت صقلية تعنى بعلوم الأوائل من طب وغير طب فى الترجمة. وكما كان التراث اللاتينى الإغريقى العلمى يترجم إلى العربية كان التراث العربى العلمى يترجم بدوره إلى اللاتينية. وكان الأطباء قد أخذوا يتكاثرون فى القيروان منذ أيام الأغالبة، فتكاثروا بصقلية مجاراة لأختها القيروان واطرد ذلك فى القرون التالية، ومما يدل عليه الفصل الذى عقده ابن مكى فى كتابه: «تثقيف اللسان» لبيان أغلاط الأطباء فى صقلية، واشتهرت فى القرن الرابع الهجرى بأنها بيئة فلسفية، مما جعل سعيد بن فرحون التجيبى الملقب بلقب الحمار السرقسطى يلجأ إليها حين أصابته محنة أيام المنصور بن أبى عامر فى أواخر هذا القرن كما يقول صاعد فى كتابه طبقات الأمم وظل بها إلى وفاته، وكان يحسن الفلسفة والموسيقى جميعا وله فى علوم الفلسفة رسالة بديعة سماها شجرة الحكمة. وبجانب فلاسفة أو متفلسفة صقلية كان هناك مهندسون ورياضيون من مثل العالم الرياضى عبد العزيز المعافرى وله ترجمة فى الخريدة، وتؤكد القصور الباذخة فى بلرم التى تغنّى بها شعراء صقلية واصفين فخامتها وزخارفها وحدائقها النضرة وفواراتها البديعة مهارة مهندسيها البارعين، وبهرت قصور بلرم وغيرها من مدن صقلية فون شاك بفسيفسائها ورخامها وأبهائها وغرفها ونقوشها، وظل يدرسها سنوات طوالا كما مر بنا فى غير هذا الموضع وسجل ما بهره من مشاهدها فى كتابه الفن العربى فى إسبانيا وصقلية.

وتنشط صقلية الإسلامية فى الدراسات اللغوية والنحوية، وتمدها فى تلك الدراسات روافد من الخارج، فقد نزلها موسى بن أصبغ المرادى القرطبى الذى رحل فى طلب التعمق فى اللغة إلى المشرق، ودخل العراق وتتلمذ لعلمائه اللغويين وخاصة ابن دريد صاحب معجم الجمهرة، ولم يعد إلى وطنه وإنما عاد إلى صقلية واتخذها موطنا له كما يقول السيوطى فى البغية، وتلاه صاعد اللغوى الأندلسى المشهور بكثرة تلاميذه الأندلسيين رحل إليها فى أوائل الفتنة التى نشبت بقرطبة سنة ٤٠٣ هـ‍/١٠١٢ م ورجع إلى الأندلس ولم يلبث أن عاد إلى صقلية وتوفى بها سنة ٤١٠ هـ‍/١٠١٩ م كما ذكر القفطى فى إنباه الرواة. ومن علمائها فى اللغة والنحو على بن

<<  <  ج: ص:  >  >>