مثل عبد العزيز المعافرى وكان من علماء الرياضيات ومثل ابن القرنى وكان منجما حاسبا، ومثل محمد بن عيسى الفقيه وكان مهندسا منجما وشاعرا بارعا.
ومعروف أن روجار الثانى ملك صقلية النورمانى استدعى الشريف الإدريسى إلى «بلرم» عاصمته، وطلب إليه أن يؤلف له كتابا فى الجغرافيا، فألّف له كتابه الرائع:«نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق» وهو أكمل كتاب جغرافى ألفه العرب، وظل عند الأوربيين أهم مرجع فى علم الجغرافيا إلى القرن السادس عشر، وقد أتم الإدريسى تأليفه سنة ٥٤٥ هـ/١١٥٠ م وترجمت قطع كبيرة منه إلى مختلف لغات العالم. وطلب منه روجّار الثانى خريطة للعالم فنقشها على كرة من الفضة تزن ثمانمائة أوقية، ورسم عليها جميع الأقاليم التى كانت معروفة لعصره، وهما عملان باهران من أعمال العبقرية العربية. وكان حريا بالإدريسى أن يقدمهما إلى حاكم عربى فى عصره لا لحاكم نورمانى نهب هو وأبوه صقلية العربية وقد وجه إلى المهدية بالإقليم التونسى اسطولا مكونا من ثلاثمائة سفينة سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ م واستولى عليها وظل بها اثنى عشر عاما حتى خلصها عبد المؤمن سلطان الموحدين. وظل الإدريسى فى بلرم أيام غليوم الأول وله ألف كتابا سماه «روض الأنس ونزهة النفس، وقد وضع فيه الإدريسى-كما يقول الدومبيلى- خرائط أصغر سعة ومقياسا، وخرائطه جميعا تقوم على تحديد درجات الطول والعرض، ويقال إنه توفى سنة ٥٦٢ هـ/١١٦٦ م والمظنون أنه قتل فى ثورة للنورمان حينئذ على العرب فى بلرم.
ويلقانا فى العهد النورمانى غير عالم لغوى ونحوى، ومن نحاتها ولغوييها الذين ظلوا بها ولم يبرحوها على بن بشرى اللغوى الصقلى ويقول القفطى: «كان فى النظم والنثر سابقا لا يجارى، وفى اللغة والإعراب لا يبارى» ومنهم عمر بن حسن النحوى الصقلى يقول القفطى: «شيخ فى اللغة والنحو طويل الباع فيهما، أخذا ورويا عنه تصدر للإفاده ببلرم» ومنهم محمد بن زيد الطّرطائى الصقلى «آخذ من كل العلوم بالحظ الوافى، متقدم فى علم الأوزان والقوافى». وممن بارحوا صقلية-فى العهد النورمانى من كبار اللغويين والنحاة على بن عبد الرحمن الصقلى العروضى، يقول عنه القفطى:«نزيل الإسكندرية عالم بعلمى النحو والعروض قيم بهما. بليغ فيهما، مشارك فى جميع الأنواع الأدبية، متصدر لإفادة الطلاب». ومنهم ابن القطاع على بن جعفر التميمى المولود سنة ٤٣٣ هـ/١٠٤١ م تلميذ ابن البر، وكان مثل أستاذه عالما لغويا كبيرا، وما زال بصقلية يدرس ويؤلف لطلابه حتى إذا كانت سنة ٥٠٠ هـ/١١٠٦ م انتقل إلى مصر فاحتفى به أهلها، وتصدر للتدريس والافادة إلى أن توفى سنة ٥١٥ هـ/١١٢١ م ومن تصانيفه كتاب تهذيب أفعال ابن القوطية فى اللغة وهو خير من كتاب ابن القوطية وكتاب أبنية الأسماء يقول ابن خلكان جمع فيه فأوعى. وكان كتاب الصحاح للجوهرى بمصر-كما يقول القفطى-لا يروى إلا عن طريقه عن ابن البر، وكان له كتاب نفيس فى