مجلس الطرب، ويذكر ما فيه من الغناء والرقص والشموع المتقدة قائلا:
لقد سكّنت حركات الأسى ... قيان تحرّك أوتارها
فهذى تعانق عودا لها ... وتلك تقبّل مزمارها
وراقصة لقطت رجلها ... حساب يد نقرت طارها
وقضب من الشمع مصفرة ... تريك من النار نوّارها
كأنّا نسلّط آجالها ... عليها فتمحق أعمارها
وإن للغناء هناك من القيان لنشوة تسكن حركات الأسى فى النفس أو تارها بما تصب فى الآذان من نغم بديع، والعود مسند إلى صدر قينة كأنه يعانقها، وقينة أخرى كأنها تقبّل مزمارها، وراقصة كأنما تلقط قدمها نقر صاحبتها بيدها على طارها، متفننة فى حركاتها، والشموع متقدة طول هذا المجلس اللاهى، وكأنما آجالها تنقص أعمارها تدريجا حتى تنمحق. وينتهى شريط الذكريات ويحنّ إلى صقلية مستودع صباه وشبابه وليالى أنسه ومرحه، ويهتف.
ذكرت صقلّيّة والأسى ... يهيّج للنفس تذكارها
ومنزلة للتصابى خلت ... وكان بنو اللهو عمّارها
فإن كنت أخرجت من جنّة ... فإنى أحدّث أخبارها
ولولا ملوحة ماء البكا ... لخلت دموعى أنهارها
وهو يذكر صقلية ومنازل صابيه وشبابه فيها والحزن يقطّع نياط قلبه عليها حسرة ولوعة، ويقول إنها لجنة عظيمة أخرجت منها، وحرى بى أن أحدّث أخبارها وأبكيها بدموع غزار، ويذكر أنه سيبكيها عشرات السنين بأنهار من الدموع لا تتوقف سيولها. ولعلها توقفت قليلا حين أبهجه انتصار جيش الحسن بن على بن يحيى بن تميم سنة ٥١٧ هـ/١١٣٧ م على جيش الملك روجار الثانى فى وقعة الديماس بمنتصف الطريق بين المنستير والمهدية على الساحل التونسى، وكان روجار يبغى الاستيلاء على المهدية، فردّ جيشه مدحورا إلى صقلية، وأشاد ابن حمديس بهذا الانتصار إشادة رائعة فى قصيدة له رائية يمدح بها الحسن بن على بن تميم مهنئا له بالنّصر على الأعداء من النورمان:
ليهنك فتح أولغ السيف فيهم ... ولاح بوجه الدّين من ذكره بشر (١)