على أن طائفة من الأحاديث رويت رواية تواتر، ومن ينظر فى هذه الأحاديث وما نصّ عليه العلماء بأنه روى بلفظه يعرف أنه عليه السلام أوتى جوامع الكلم، وحقّا ما بقوله الجاحظ من أنه «لم يتكلم إلا بكلام قد حفّ بالعصمة وشيّد بالتأييد ويسّر بالتوفيق»(١) ويضرب الجاحظ لبيانه الرائع بعض الأمثله من حديثه الذى قلّ عدد حروفه وكثرت معانيه، فمن ذلك قوله للأنصار:
«أما والله ما علمتكم إلا لتقلّون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع» وقوله «المسلمون تتكأفأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»، وقوله:«لا تزال أمتى صالحا أمرها ما لم تر الأمانة مغنما والصّدقة مغرما»، وقوله «المستشار مؤتمن»، وقوله:«إن أحبّكم إلى وأقربكم منى مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطّئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون.
وإن أبغضكم إلىّ وأبعدكم منى مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون»، وقوله «لا تجن يمينك على شمالك» وقوله: «ما أملق تاجر صدوق» وقوله:
«رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» وقوله: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرّقوا وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» وقوله: «يقول ابن آدم: مالى مالى، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو وهبت فأمضيت» وقوله: «إن قوما ركبوا سفينة فى البحر فاقتسموا فصار لكل رجل موضع، فنقر رجل موضعه بفأس، فقالوا: ما تصنع؟ قال: هو مكانى أصنع به ما شئت، فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا وإن تركوه هلك وهلكوا» وقوله: «حصّنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة» وقوله: «من ذبّ عن لحم أخيه بظهر الغيب كان حقا على الله أن يحرّم لحمه على النار» وقوله: «أوصانى ربى بتسع: أوصانى بالإخلاص فى السرّ والعلانية، وبالعدل فى الرّضا والغضب، وبالقصد فى الغنى والفقر، وأن أعفو عمن ظلمنى، وأعطى من حرمنى، وأصل من قطعنى، وأن يكون صمتى فكرا ونطقى ذكرا ونظرى عبرا» وقوله: «إن الأحاديث ستكثر