للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدى كما كثرت على الأنبياء من قبلى، فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو عنى قلته أو لم أقله». ويذكر الجاحظ طائفة من أقواله التى دارت بين الناس دوران الأمثال والتى تعدّ ذخيرة أدبية رائعة من نحو قوله صلى الله عليه وسلم (١):

يا خيل الله اركبى-مات حتف أنفه (٢) -لا تنتطح فيه عنزان-الآن حمى الوطيس (٣) -كل الصّيد فى جوف الفرا (٤) -هدنة على دخن وجماعة على أقذاء (٥) -لا يلسع المؤمن من جحر مرتين. ومن أمثاله أيضا: إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى (٦) -إياكم وخضراء الدّمن (٧) -الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة (٨).

وإذا كنا قد عرضنا فى غير هذا الموضع لأثر القرآن فى اللغة والأدب فإن للحديث هو الآخر أثرا فيهما، وإن كان لا يبلغ أثر القرآن العظيم، لأنه دونه فى البلاغة، وإن كان قائله أبلغ العرب قاطبة وأفصحهم. ويمكن أن نلاحظ أثره فى أنه عاون القرآن الكريم فى انتشار العربية، وفى حفظها وبقائها، وكان له أثر أيضا فى توسيع المادة اللغوية بما أشاع من ألفاظ دينية وفقهية لم تكن تستخدم من قبل هذا الاستخدام الخاص، وقد أقبل العلماء فى مختلف الأمصار الإسلامية، وعلى تعاقب الأعصار، يدرسونه ويتحفظونه ويشرحونه ويستنبطون منه. وحقّا أن كثرته رويت بالمعنى، ولكن هذا لا يقلل من قيمته اللغوية، إذ كانت ألفاظه تدور فى عصور سبقت عصر فساد اللغة، وهى من أجل ذلك ألفاظ عربية سليمة، وبالتالى هى كنز ثمين. وقد استمد المتأدبون من هذا الكنز فى رسائلهم وأشعارهم ما أضاف إليها-على مر العصور-رونقا وطلاوة، وما يزال ذلك شأنهم إلى اليوم. وقد


(١) انظر البيان والتبيين ٢/ ١٥ وراجع كتب الأمثال.
(٢) مثل يضرب لمن مات على فراشه.
(٣) الوطيس: التنور. يضرب مثلا فى اشتداد الحرب.
(٤) الفرا: حمار الوحش. يضرب مثلا فى نفاسة الشئ أو الشخص.
(٥) دخن: حقد.
(٦) المنبت: من أسرع بناقته حتى هلكت فلم يقض ما يبغى من حاجة أو من سفر. والظهر: الناقة التى يركبها.
(٧) الدمن: البعر المتلبد. يضرب مثلا للتنفير من المرأة الحسناء تنشأ فى منبت سيئ.
(٨) الراحلة: الصالحة لأن ترحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>