حملة إلى صقلية وعادت فى ريح عاصفة فغرقت كثرة منها. وتولّى بعده عبيد الله بن الحبحاب سنة ١١٤ للهجرة، فأعاد بناء جامع الزيتونة بتونس الذى بناه حسان، ولم يلبث أن أساء السيرة هو وعماله فى جميع أنحاء المغرب، إذ تشددوا فى جمع الخراج وجباية الأموال من البربر، ورفضوا-فى إصرار غريب-التسوية بين العرب والبربر فى الشئون المالية كما تقضى بذلك شريعة الإسلام، وبلغ من تهور عامل طنجة عمر بن عبيد الله المرادى وسفهه أن أعلن أنه عازم على تخميس أراضى البربر زاعما زعما آثما أنها فيء للعرب وغنائم حرب لهم.
وكان طبيعيا أن يثور البربر على هذه السياسة الغاشمة الظالمة، وكان دعاة الخوارج صفريّة وإباضيّة قد أخذوا ينشرون فى المغرب مبادئهم التى تحتّم التسوية بين العرب والموالى المسلمين فى جميع الشئون المالية وفى الخلافة فهى حق لجميع المسلمين بحيث يتولاها أكفأهم جميعا عربا وموالى. واعتنق البربر فى جبل نفوسة بليبيا العقيدة الإباضية المعتدلة التى لا يكفّر أصحابها إخوانهم المسلمين ولا يقاتلونهم إلا إذا بادروهم بالقتال، بينما اعتنق المغرب الأقصى عقيدة الصّفريّة الذين يكفّرون غيرهم من المسلمين ويوجبون على أنفسهم حربهم، وتزعّم الدعوة لتلك العقيدة بالقرب من طنجة على المحيط بربرى من قبيلة مضغرة البتريّة يدعى ميسرة، وبايعه البربر واتخذوه إماما لهم، وكوّن منهم جيشا ضخما احتلّ به طنجة سنة ١٢٢ هـ/٧٣٦ م وقتل عاملها الغشوم عمر بن عبيد الله المرادى. ولم يلبث أن هزم فى بعض معاركه مع جيوش ابن الحبحاب فظن به بعض أنصاره الخيانة فقتلوه، وولت الصفرية فى المغرب الأقصى عليها خالد بن حميد الزناتى سنة ١٢٣ إماما لها وقائدا، وأخذ يعدّ العدة للقاء جيش ابن الحبحاب، والتقى به فى الجزائر على نهر شلف شمالى تيهرت، ونشبت بين الطرفين معركة عنيفة كان النصر به فى الجزائر على نهر شلف شمالى تيهرت، ونشبت بين الطرفين معركة عنيفة كان النصر فيها حليف الصفرية وقتل فيها كثيرون من أشراف العرب، ولذلك سمّيت معركة الأشراف. ويعزل هشام بن عبد الملك ابن الحبحاب، ويولّى المغرب كلثوم بن عياض القشيرى وشدّ أزره بابن أخيه بلج بن بشر، ويقدمان إلى المغرب الأقصى فى جيش ضخم، ويديران مع خالد بن حميد إمام الصفرية جنوبى طنجة معركة ضارية، ويهزمان ويتوفّى كلثوم، فينسحب بلج ببقية جيشه إلى مدينة سبتة، وتحاصره الصفرية فيها وتشدد الحصار ويضطر إلى العبور بجيشه إلى الأندلس، ويثور البربر فى المغرب بجميع دياره. ويولى هشام عليه حنظلة بن صفوان سنة ١٢٤ هـ/٧٤١ م وأمدّه بجيش جرّار. وعرف أن قائدين صفريين هما عكاشة بن محصن الفزارى وعبد الواحد بن يزيد الهوارى حشدا جموع الصفرية فى الزاب بالجزائر لحربه، واتفقا أن يسيرا فى طريقين لمهاجمة القيروان: عبد الواحد من الشمال وعكاشة من الجنوب، وعلم حنظلة بخطتهما فأسرع بلقاء عكاشة ومزّق جيشه، وأخذ يستعد فى القيروان لمنازلة عبد الواحد، واستثار الفقهاء لحربه، فانضموا إلى جيشه ووزّع عليهم السلاح، وبرزت النساء مع الجيش حاملات السلاح وامتلأ الجيش حمية، ودارت المعركة فسحق جيش عبد الواحد