وكانوا يولونه ويخلعونه وفقا لأهوائهم، ويستجيب لهم الباب العالى، وبلغوا حتى الاحتلال الفرنسى ثمانية وعشرين دايا، اغتيل نصفهم. وأخذ الحكم يفسد، وزاد فى فساده أن القرصنة التى كانت مصدر دخل كبير للدولة فى القرنين السادس عشر الميلادى والسابع عشر ضعفت وتضاءلت لسيطرة الدول الأوربية العظمى على البحر المتوسط، وعوّض ذلك الدايات بكثرة السلب والنهب من الجزائريين مما أدى إلى فساد الحكم العثمانى فى هذا العهد-وخاصة فى أواخره-فسادا شديدا. وكانت سلطة الداى-كما قلنا-مطلقة، وكان يعاونه فى الحكم مجلس يعرف بالديوان لا يقطع أمرا دون مشورته، وهو أشبه بمجلس وزراء، وكان يتألف من ستة: الأغا وهو القائد الأعلى للقوات البرية، ووكيل الخرج وهو وزير البحرية ويشرف على القرصنة، والقبودان وهو القائد للأسطول وجند البحر، والخزنجى وهو وزير المالية، وخوجة الخول وهو جابى الضرائب وشيخ المدينة المشرف على القضاء والشرطة، والباش كاتب وهو رئيس الديوان ومعهم بعض كبار رجال الدين ونقيب الأشراف. وبجانب هذا الديوان أو المجلس مجلس الديوان العسكرى ويتألف من رؤساء الجنود، ومجلس الرياس البحرى ويتألف من قواد البحر، وكان لهذين المجلسين نفوذ كبير. وكان هناك مجلس أعلى للقضاء يرأسه القاضى الحنفى، وكان فى أول الأمر يأتى من الآستانة مع الوالى، ويعاونه فى المجلس قضاة مذهبى الحنفية والمالكية. وكانت تعرض على المجلس بعض أحكام القضاة مما يستوجب إعادة النظر، وهو أشبه بمجلس استئناف شرعى. وكانت الجزائر مقسمة إلى ثلاث ولايات كبرى: ولاية قسنطينة فى الشرق، وولاية تيطرى فى الوسط وعاصمتها مدينة المدية، وولاية غربية وكانت عاصمتها مدينة مزونة ثم معسكر منذ سنة ١١٢٢ هـ/١٧١٠ م ثم وهران منذ سنة ١٢٠٧ هـ/١٧٩٢ م وقسمت هذه الولايات-أو كما كانت تسمى البكويات نسبة إلى البك حاكمها من قبل البايلاريك أو الباشا أو الأغا أو الداى، وكان لكل بك سلطة واسعة فى ولايته. وكانت صلته بالحاكم العثمانى فى مدينة الجزائر تنحصر فى شيئين أساسيين هما: جباية الأموال فى ولايته وأداؤها للخزينة العامة، وجمع الجند الذين ينبغى أن يرسل بهم للخدمة فى الجيش، وكانوا جندا معاونا يعاونون فى الأزمات تحت قيادة الضباط العثمانيين. وكانت بالجزائر قبائل كثيرة فى الأطلس التلى ووراءه وبالمثل فى الأطلس الصحراوى ووراءه فى الصحراء الجنوبية، وكانت هذه القبائل قسمين: قسما تتفاوت تبعيته للداى أو للعثمانيين قوة وضعفا ويدفع العشور وضريبته تسمى لازمة، وقسما مواليا للدولة معفى من الضرائب ما عدا الرسوم القانونية، وتسمى قبائله باسم قبائل المخزن، وكانت تمد الدولة العثمانية فى الجزائر بالمحاربين وجباة الضرائب وموظفى الشرطة المحافظين على الأرض فى البلاد. ودعموا دائما شيوخ القبائل، فكانوا يقطعونهم الأراضى ويمدونهم، -إذا شاءوا-بالحاميات العسكرية،