للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرضوا على أنفسهم تجلة علماء الدين، وأشركوا بعض كبارهم فى ديوان الحكم، كما مرّ بنا، وبالمثل كانوا يجلّون المتصوفة ويحمون طرقهم ويطلبون منهم البركات والعون على الرعية.

وكان العثمانيون طوال حكمهم للجزائر يستأثرون بكل مناصب الدولة، مع أنهم دخلوها بطلب من أهلها لعونهم ضد الغزو الإسبانى، وهم إخوانهم فى الدين، والعدو عدو لدينهم معا، فكان ينبغى أن يطبقوا تعاليم الإسلام وأن يوثقوا الأخوة بينهم وبين الجزائريين وأن يشاوروهم فى الحكم وأن يفسحوا لهم فى تولى مناصب الدولة الرفيعة. ونعجب إذ نراهم يعاملون الجزائريين معاملة المنتصر للمهزوم. وكثيرون من القوة الانكشارية ورؤسائها تزوجوا من جزائريات، ومع الزمن نشأت طبقة من الأبناء آباؤهم عثمانيون وأمهاتهم جزائريات، وكان العثمانيون يسمونهم كراغلة جمعا لكرغلى، وجعلوهم أدنى منهم مرتبة فلا يولون منصبا رفيعا من مناصب الدولة، فضلا عن منصب الداى الحاكم للبلاد باستثناء البايلاريك حسن بن خير الدين، فقد كانت أمه جزائرية. وفى أواسط القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) تمرد الكراغلة فقبضوا على رؤسائهم ونكّلوا بهم، وبذلك أوصدوا الأبواب فى وجوههم، فلم يتولوا المناصب العليا فى الدولة مثلهم فى ذلك مثل الجزائريين. وكان الجزائريون يثورون أحيانا على العثمانيين، غير أن لهب الثورة كان ينطفئ سريعا، ومن أهم ثوراتهم ثورة زواوة سنة ١١٥٨ هـ‍/١٧٤٥ م بسبب ضرائب جديدة فرضت عليها وظلت الثورة نحو عام وقضى عليها حين جنّدت لها الدولة جيشا جرارا.

وكانت الجزائر قد منيت-منذ أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) بعهد الدايات وفى عهدهم أخذت تشيع الرشوة ويشيع الظلم واغتصاب الجنود الانكشاريين من المواطنين الأموال عسفا دون أى مراعاة لدين أو خلق. وظل الدايات بعيدين عن الشعب الجزائرى لا يعرفون لغته ولا عاداته وتقاليده وطرق معيشته، ولم يحاول أحد منهم أن يجعل حكم الجزائر وراثيا فى أبنائه كما فعل بايات تونس وباشوات طرابلس، ولو حدث ذلك لأصبح الحكم العثمانى فى الجزائر شيئا فشيئا وطنيا على نحو ما حدث فى تونس وطرابلس. وما نصل إلى أواخر القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى) حتى يهبط الدخل العام للدولة بسبب ضعف القرصنة كما أسلفنا وما تجبى الدولة منها من أموال. ولم تكن القرصنة فى نظر الجزائريين والترك لصوصية بحرية كما قد يظن، بل كانت فريضة جهاد إزاء دار الحرب الأوربية النصرانية، وظلت موردا مهما للجزائر منذ القرن العاشر إلى القرن الثانى عشر. وكان القراصنة الجزائريون والترك والمهاجرون من الأندلس يغيرون على سواحل إسبانيا وجنوب فرنسا وإيطاليا ويعودون بغنائم وأموال وافرة. ومنذ أواسط القرن الثانى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) كانت تقاومهم أساطيل إنجلترا وفرنسا، غير أن الدول والإمارات الأوربية الصغيرة مثل السويد والدانمارك وهولندة ونابولى ظلت طويلا تدفع لدولة الجزائر العثمانية إتاوة سنوية نظير ضمان

<<  <  ج: ص:  >  >>