قراصنتها لسلامة رعاياها، وكان القراصنة يجلبون إلى الجزائر مئات بل آلافا من الأسرى الأوربيين المسيحيين، وكثيرا ما كانت تكتظ موانى الساحل الجزائرى بأفواج منهم، وكانوا يعاملون-حسب تعاليم الإسلام-معاملة كريمة ويؤدون شعائرهم الدينية فى حرية تامة، فى الوقت الذى كانت فيه إسبانيا تخير الأندلسيين فيها بين التنصر أو الموت، راكلة بأقدامها حقوقهم الإنسانية المشروعة. واعتنق كثيرون من هؤلاء الأسرى الدين الحنيف، وآثروا البقاء فى الجزائر ولم يقبلوا الرجوع إلى أوطانهم وبلدانهم الأوربية.
وبينما كانت الجزائر العثمانية تعانى من أزمة اقتصادية خانقة فى أواخر القرن الثانى عشر الهجرى وأوائل الثالث عشر (أواخر القرن الثامن عشر الميلادى) بسبب تضاؤل موارد القرصنة إذا شركتان يهوديتان ليهودى يسمى نفتالى تسيطران على اقتصاد البلاد وتمتصان خيراتها منذ سنة ١١٩٥ هـ/١٧٨٠ م وما يزال سخط الجماهير والانكشارية العسكرية يزداد على هذا الرجل حتى إذا كانت سنة ١٢٢٠ هـ/١٨٠٥ م ثاروا عليه وعلى اليهود ثورة عنيفة فقتلوه مع كثيرين من إخوانه فى الدين. وفى سنة ١٢٣٢ هـ/١٨١٦ م حطم الداى على خوجه النفوذ التركى باعتماده على الجند الزواوى الجزائرى الوطنى، وبذلك أخذت الحكومة العثمانية فى الجزائر شكلا وطنيا كان له فرحة عميقة فى نفوس الجماهير، ولم تبق للعثمانيين فى الجزائر إلا سلطة اسمية، وتوفى على خوجة سنة ١٢٣٤ هـ/١٨١٨ م. وولى الجزائر بعده وزيره حسين دايا، وفى هذه السنة اتخذ مؤتمر لا شابيل قرارا بإلغاء القرصنة، وذهب إلى الجزائر وفد إنجليزى فرنسى لإقناع الداى بإلغائها نهائيا، غير أنه أصرّ على إبقائها مع كل دولة لا تؤدّى للجزائر إتاوة لسلامة سفنها ورعاياها. وكانت الشركتان اليهوديتان المذكورتان آنفا مدينتين للداى والجزائر بنحو مليونين ونصف من الفرنكات، وكانتا تدينان فرنسا بنحو سبعة ملايين لصفقات من القمح اشترتها، وقررت فى سنة ١٢٣٥ هـ/١٨١٩ م أن تدفع للشركتين مبلغ أربعة ملايين ونصف، وكان الداى أبلغها ما له على الشركتين من دين حتى تحتفظ عندها بدينه عليهما، ولم تعره التفاتا مما أثار غضبه، وفى استقبال الداى لرجال السلك السياسى بأبريل سنة ١٢٤٣ هـ/١٩٢٧ م تحاور مع القنصل الفرنسى ويقال إنه أثار حفيظته فصاح به مشيرا بمروحة فى يده مسّها طرفه وطرده. وعدّت فرنسا تلك إهانة وطلبت من الداى اعتذارا علنيا، فلم يعتذر. وفى يونية من هذه السنة أعلنت الحرب على الجزائر وحاصرتها لمدة ثلاث سنوات وأخذت فى الإعداد لحملة عسكرية، وفى مارس سنة ١٨٣٠ هـ/١٢٤٥ م قال شارل العاشر ملك فرنسا فى خطاب العرش: إنه سيقوم بعمل لترضية الشرف الفرنسى فيه فائدة للمسيحية، وكأنه عدّ حربه للجزائر حربا دينية بين المسيحية والإسلام. وفى آخر مايو سنة ١٨٣٠ م أقلع وزير الحرب الفرنسى دى بورمون بأسطول حربى ضخم أرسى بسيدى فرج بالقرب من مدينة الجزائر، ودارت معارك ضارية لمدة شهر اضطر الداى بعدها إلى الاستسلام فى الخامس من