للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مائة وأربعة وسبعين كيلو مترا من وهران تقع مدينة تلمسان الكبيرة بين جبال تزدان بالخضرة والخمائل النضرة وسهول مكتظة بالزروع والبساتين الخلابة، يقول ابن حوقل فيها: مدينة لطيفة قديمة ولها أنهار جارية وعليها أرحية وفيها فواكه كثيرة وغلاتها عظيمة ومزارعها كثيرة، ويقول الحسن الوزان: «توجد فى خارج تلمسان عدة كور بديعة بها منازل غاية فى الأناقة، ومن عادة سكان المدينة قضاء الصيف فيها حيث ينعمون بأكبر متعة، فلهم فيها بساتين فاخرة تنتج أعنابا من كل الألوان وذات نكهة رائعة، وكرزا من كل نوع تبلغ وفرته حدا لم أر له مثيلا فى أى مكان آخر، وتينا شديد الحلاوة أسود اللون كبير الحجم يجفّف ليؤكل فى الشتاء، ودرّاقا، وجوزا ولوزا وبطيخا وخيارا وثمارا أخرى مختلفة» وعلى نهرها العديد من طواحين القمح. وإذا توغلنا جنوبى تاهرت لقيتنا واحة الأغواط بنخيلها الكثير، وإلى الجنوب منها منطقة ميزاب ومدنها وأهمها غرداية ويكثر بها النخيل والحدائق والبساتين، ومن ورائها ست قرى وافرة النخيل والفواكه، وأهلها جميعا إباضيون وكان آباؤهم حين قضى على الدولة الرستمية فى تاهرت انسحبت كثرة منهم إلى ورقلة (ورجلان) فى الجنوب الشرقى من الجزائر، ولما غادروها إلى بلاد ميزاب بقيت منهم بقية قليلة وحل محلهم فى تلك الواحة كثير من الزنوج. وشرقى بلاد ميزاب وادى سوف وهو بلاد واحات شاسعة تمتد من أراضى ميزاب إلى أراضى الجريد فى تونس، وتنتج واحاته تمرا بديعا. وطبيعى أن تغطى الهضاب الصحراوية الكثيرة فى جنوبى الجزائر أثناء الربيع أعشاب ونباتات، ويتنقل البدو فيها لرعى أغنامهم وإبلهم، وينقسمون إلى بدو أو رعاة شبه مقيمين إذ يقل ظعنهم وهم المجاورون لتخوم جبال أطلس والجبل التلى، وبدو أو رعاة رحّل وهم المتنقلون فى الهضاب والصحارى، وهم جميعا يمدون مدن الجزائر بكثير من قطعان مواشيهم.

ومن قديم تعنى مدن الجزائر بالصناعات اليدوية كالحدادة والنجارة والحياكة واستخراج المعادن وتصنيعها وخاصة الحديد، وكانت بونة (عنابة) تشتهر بمصانعه، ومنها الرصاص والزنك فى جبال الونشريس ونواحى سطيف، وكان ببجاية دار صناعة كبرى لإنشاء الأساطيل والسفن وكانت تلك الدار تستمد الخشب من أوديتها وجبالها، كما كان بها معدن الحديد اللازم لتلك الصناعة وكان الزفت والقطران البالغا الجودة يجلبان إليها من أقاليمها كما يقول الإدريسى، وكان بها من الصناعات طرائف كثيرة، واشتهر ميناء دليس غربى بجاية بأن أكثر سكانه- كما يقول الحسن الوزان-من الصباغين لكثرة ما فيها من الينابيع والجداول ومثلها فى ذلك ضاحية تلمسان المسماة مدينة عباد. ويتوقف الحسن الوزان مرارا عند بعض المدن ليقول إن كثيرين-أو الكثرة-من سكانها صناع، ويذكر عن صناع تلمسان أنهم يحيون حياة هادئة ممتعة وينعمون بأوقات لراحتهم ويلبسون ثيابا لائقة وقليل منهم الذين يضعون عمامة على الرأس، فيستخدمون قلنسوة دون ثنيات ويلبسون أحذية تصعد حتى أواسط سيقانهم، وكانت

<<  <  ج: ص:  >  >>