للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلمسان تشتهر بصناعة الجلد، ويقول ابن سعيد الأندلسى: «منها تحمل ألجم الخيل والسروج وما يتبع ذلك» مما يدل على ما كان بها من مصنع للحديد.

وكانت تنتشر فى أنحاء الجزائر المنسوجات الكتانية والصوفية والقطنية والحريرية، واشتهرت بونة (عنابة) بمنسوجاتها الكتانية، ويقول الحسن الوزان إن أكثر سكان وهران من الصناع والحاكة. ولما سكن الأندلسيون الغرناطيون فى هجرتهم الكبرى إلى الجزائر مدينة شرشال نهضوا فيها بصناعة الحرير إذ وجدوا بجوارها كمية لا تحصى من أشجار التوت الأبيض والأسود فربوا فيها دود القز، واتسع إنتاجهم من المنسوجات الحريرية. ويذكر الحسن الوزان كثرة ما بمدينة قسنطينة من الأقمشة الصوفية المصنوعة محليا وكذلك الكتانية، ويقول الحسن الوزان: فى مدينة ميلة عدد كبير من الصناع ولا سيما الذين يعملون فى نسج الأقمشة من الصوف التى تصنع منها أغطية الأسرّة. ويطيل الحسن الوزان فى تلمسان من وصف أكسية الصوف والجلد والقطن ووصف المعاطف. وقد اشتهرت نساء المدن الجزائرية بصناعة التطريز على الأقمشة الحريرية والجلدية، وتحتفظ المتاحف الجزائرية بمجموعات منها لا تزال أسلاكها الذهبية والحريرية والقطنية تومض كأنما وضعت عليها بالأمس.

ويكثر الحسن الوزان وغيره من المتحدثين عن المدن الجزائرية عن كثرة من بها من الصناع والحاكة، وقلما يذكرون ما يقومون به من الصناعات والحياكات، ويذكر الوزان عن أهل مليانة أنهم جميعا من الصناع ومن الحاكة ومن الخراطين الذين يصنعون أوانى جميلة من الخشب. وكان أهل الجزائر يصنعون بجانبها أوانى جميلة من الخزف الملون والجص المجزّع، ولا بد أن تفننوا طويلا فى صناعة الحلى إرضاء للمرأة، وبالمثل فى صناعة أحذيتها وأحذية الرجال. وكانت معاصر الزيتون منتشرة فى بلدان كثيرة، وكان الزيت لذلك يصدر بكثرة من الجزائر. ولا بد أن صناعة الورق من الكتان كانت منتشرة وخاصة فى المدن الكبرى وفاء بحاجة العلماء والطلاب وبما انبثّ فى الجزائر من نهضة علمية وأدبية واسعة.

ومنذ القرون الإسلامية الأولى تشاد فى الجزائر المنشآت العمرانية، ولا يشاد بناء مفرد أو أبنية مفردة فحسب بل تشاد مدن بمساجدها وقصورها وفنادقها وحماماتها ومارستاناتها فقد بنى فيها الخليفة العبيدى المهدى سنة ٣١٣ مدينة المحمدية أو المسيلة. وبنى زيرى الصنهاجى والى الجزائر من قبل الخليفة العبيدى المنصور «أشير» إلى الشمال الشرقى من تاهرت، وبنى ابنه بلكين مدينة الجزائر ومدينة مليانة جنوبى شرشال ومدينة المدية إلى الجنوب الشرقى منها، وبنى حماد بن زيرى قلعة ضخمة شمالى المسيلة عاصمة لدولته وجدّد الناصر الحمادى مدينة بجاية وأحضر لها العمال والمهندسين ومواد البناء واتخذها عاصمة للدولة. وكل حاكم منهم كان يعنى بإنشاء قصور كثيرة فى عاصمته على نحو ما نقرأ فى دولة بنى زيان ملوك تلمسان،

<<  <  ج: ص:  >  >>