وتهدى مدينة المسيلة (المحمدية) فى الجزائر إلى القيروان ناقدا مبكرا فى أواخر عهد المنصور بن بلكين (٣٦٨ - ٣٨٦ هـ) هو عبد الكريم النهشلى، وكان شاعرا يحسن الكتابة كما كان شاعرا مجيدا فألحقته الدولة بدواوينها وظل بها إلى أن توفى سنة ٤٠٣ هـ/١٠١٢ م. وله فى النقد كتاب يعد باكورة الكتابات النقدية فى البلاد المغربية هو كتاب الممتع فى علم الشعر وعمله. ونشر الدكتور منجى الكعبى اختيارا منه لأحد الأدباء السابقين يقع فى خمسمائة صفحة حققها تحقيقا علميا جيدا. ويدل هذا الاختيار على أن النهشلى بن الكتاب على منتخبات شعرية ونثرية تتخلّلها نظرات نقدية، ووزّع المنتخبات على أبواب متعاقبة انتفع بها ابن رشيق فى تأليفه لكتابه:«العمدة فى صناعة الشعر ونقده» كما أوضح ذلك الدكتور منجى فى هوامش التحقيق ببيان ما يلتقى فيه الكتابان من أبواب ونصوص مختلفة منذ الصفحة الثالثة من الممتع إذ نقل ابن رشيق عن عبد الكريم ما قاله من أن «أصل الكلام منثور ثم تعقبت العرب ذلك واحتاجت إلى الغناء بأفعالها وذكر سابقتها ووقائعها وتضمين مآثرها، إذ كان المنطق هو المؤدى عن عقولهم، وألسنتهم خدم أفئدتهم» وتبعه ابن رشيق فقال: «وكان الكلام كله منثورا، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها وطيب أعراقها وذكر أيامها الصالحة». ويعقد عبد الكريم ص ٢٤ فصلا فى فضل الشعر، ويتابعه ابن رشيق بفصل مماثل يردد فيه ما يقوله (انظر صفحتى ٢٤ و ٢٥). ومن الحق أنه قد يصرح به ولكن فى مواطن معدودة من العمدة، وقد يأخذ عنه أبوابا مثل باب ألقاب الشعراء ص ١٩٢ وهو فى العمدة (تحقيق محيى الدين عبد الحميد) ١/ ٣٣ وباب احتماء العرب بالشعر وذبهم به عن الأعراض ص ٢٢٠ وهو عند ابن رشيق فى ١/ ٤٩ وباب الأنفة من السؤال ص ٢٤٩ وهو عند ابن رشيق باب التكسب بالشعر والأنفة منه ص ٦٣ ويقول الدكتور منجى فى الهامش: «وتجد عند ابن رشيق فصولا كثيرة من هذا الباب ضمن أبواب أخرى لها علاقة به مثل باب الاقتضاء والاستنجاز فى الجزء الثانى من العمدة. ومن ذلك باب فيمن نوه به المدح وحطّه الهجاء ص ٢٤٣ وهو عند ابن رشيق ١/ ٢٩. ومن ذلك باب فيه النهى عن تعرض الشعراء ص ٢٧٩ وهو عند ابن رشيق ١/ ٥٩. والكتاب يحمل فى كل باب وفى كل موضوع نصوصا أدبية: شعرية ونثرية بديعة تدل-دلالة واضحة-على ما كان يمتلكه عبد الكريم النهشلى من ذوق أدبى مرهف مع حسن العرض. ويبدو أن أصل الكتاب كان يحمل بعض نظرات نقدية بارعة لم يعن صانع المختار من الكتاب بإثباتها، بدليل ما سجل ابن رشيق منها، إذ عقد فى الجزء الأول من العمدة فصلا للقدماء والمحدثين ذهب فيه مذهب ابن قتيبة فى أنه ينبغى أن لا يقدّم فى الشعر القديم لقدمه ولا الحديث لحداثته، إذ المعوّل فى ذلك على جودة الشعر لا على قدمه أو حداثته، ولا يلبث أن يقول: «ولم أر فى هذا النوع أحسن من فصل أتى به عبد الكريم (النهشلى) فإنه قال: