الفصل كيف أن موسى بن نصير (٨٦ - ٩٦ هـ) ظل خلال مسيرة جيشه حتى المحيط يترك فى كل بلد مغربى فى الجزائر وغير الجزائر معلمين يحفظون أهله القرآن ويقفونهم على تعاليم الإسلام وعلى قواعد العربية. ويظل معلمون قائمين بذلك طوال القرن الأول الهجرى، وكان عمر بن عبد العزيز فى آخر هذا القرن قد أرسل إلى القيروان عشرة من الفقهاء ليعلموا الناس فروض الشريعة، ومنذ هذا الحين أخذت تزدهر فى القيروان-عاصمة المغرب جميعه حينذاك- الدراسات الفقهية، وأخذ كثيرون من أهل الجزائر يؤمونها ليحسنوا معرفة الفقه ويبثوها فى بلدانهم، وكان منهم-من يقتدى بشباب القيروان فيرحل إلى المشرق للنهل من حلقات فقهائه الكبار فى الحجاز والعراق وخاصة حلقة الإمام مالك بن أنس (٩٣ - ١٧٩ هـ). ومن أوائل الجزائريين الراحلين إلى المدينة للاستماع إليه والتلمذة عليه أبو القاسم عبد الله الزواوى. ونلتقى مع أواخر القرن الثانى وأوائل الثالث للهجرة بفقيه جزائرى هو إبراهيم الطبنى الذى كان يشارك أسد بن الفرات فى القضاء.
وكانت الدولة الرستمية الإباضية قد نشأت منذ أواسط القرن الثانى وتولى أمورها الإمام عبد الوهاب، وهو من أوائل الفقهاء الإباضيين إذ ينسب إليه الأستاذ دبوز فى تاريخ المغرب الكبير كتابا يجمع فتاويه الشرعية لأتباعه يسمى نوازل نفوسة. واشتهر قضاة مالكية فى أواسط القرن الثالث ولاّهم سحنون فى بعض مدن الجزائر حين أصبح قاضى القيروان: عاصمة الإقليم التونسى وشرقى الجزائر حينذاك منهم حمدون قاضى طبنة وعلى بن منصور قاضى ميلة ويحيى بن خالد السهمى قاضى الزاب، وكانوا جميعا يعنون بنشر الفقه المالكى الذى درسوه على أستاذهم سحنون. ومن الفقهاء الجزائريين فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى عبد الملك بن سيانح أستاذ فضل بن سلمة البجائى المتوفى سنة ٣١٩ هـ/٩٣٢ م وكان من أعرف الفقهاء باختلاف أصحاب مالك، وكان يرحل إليه للسّماع منه، أقرأ-ودرّس-بالمسجد الجامع فى بجاية، وله مختصر لمدوّنة سحنون فقيه القيروان ومختصر ثان لكتاب الواضحة لعبد الملك بن حبيب فقيه قرطبة المعاصر لسحنون والمتوفى سنة ٢٣٨ هـ/٨٥٢ م وقد زاد فيه من فقهه كثيرا، وله مختصر ثالث لكتاب الفقيه المالكى المصرى ابن المواز. ونلتقى فى القرن الخامس بمروان بن على نزيل بونة (عنابة) المتوفى قبل سنة ٤٤٠ هـ/١٠٤٨ م وله شرح على الموطأ لمالك نوّه به ابن فرحون.
وفى نفس القرن الخامس يلمع بين الإباضيين فقيه يسمى أحمد بن محمد بن بكر ولد لأبيه القادم إلى وادى ميزاب من جبل نفوسة بليبيا. ويقال إن أباه هو الذى أسس هيئة العزابة فى بلدان قرى ومدن ميزاب، ويقال بل مؤسسها هناك ابنه أحمد المذكور المتوفى سنة ٥٠٤ هـ/١١١١ م كما يذكر معمر فى كتابه الإباضية فى موكب التاريخ، وهى هيئة دينية عليا تشرف على جميع شئون المجتمع الإباضى فى كل مدينة وقرية ومنها يختار شيخ البلد والمفتى