للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرّ بنا فى القسم الخاص بالإقليم التونسى وما كان يتبعه من شرقى الجزائر أن كل ما كان يتحاور فيه علماء الكلام من مرجئة وجبرية ومعتزلة انتقل هناك مبكرا، وكان المعتزلة قد انضموا قديما فى البصرة إلى جيش إبراهيم بن عبد الله الحسنى فى حربه لأبى جعفر المنصور الخليفة العباسى سنة ١٤٥ ولم يكتب له الظفر بل دارت عليه وعلى أخيه محمد النفس الزكية فى المدينة الدوائر، وأخذ المنصور يتعقب أبناء الأسرة هو وخلفاؤه، فهرب إدريس أخوهما إلى المغرب، وغلب على مدينة فاس وأنحائها وأسس هناك دولة الأدارسة. وكان دعاة واصل بن عطاء رأس المعتزلة وصلوا إلى هذه الأنحاء وأصبح لهم فى كورتى طنجة والبيضاء أتباع كثيرون، فوضعوا أيديهم فى أيدى إدريس، وأعانوه فى تأسيس دولته كما أعان-من قبل-معتزلة البصرة أخاه إبراهيم فى ثورته على المنصور، ونراهم يتكاثرون فى شمال الجزائر الغربى لعهد عبد الوهاب أمير الدولة الرستمية (١٧١ - ٢١١ هـ‍)، وعقدت مناظرات طويلة بينهم وبين علماء دولته الإباضية، وأعلن الحرب عليه منهم نحو ثلاثين ألفا ولم يقدّر لهم النصر فهزموا ولم تقم لهم بعد ذلك فى الجزائر قائمة. وطبيعى أنهم كانوا يعتنقون مبادئ المعتزلة الخمسة المشهورة، وهى التوحيد بمعنى تنزيه الله عن التشبيه بالمخلوقين فهو ليس جسما ولا ما يشبه الجسم، والعدل مما يترتب عليه نفى سيطرة القدر على إرادة الإنسان حتى يكون مسئولا عن أعماله مما يستوجب له الثواب والعقاب، وحتمية وعد الله-جلّ شأنه-بالثواب ووعيده بالعقاب فلا تبدل لهما، مما يترتب عليه عقاب مرتكب الكبيرة إلا إذا تاب وأناب، ونفذوا فى مناقشة الحكم عليه إلى مبدئهم الرابع وهو أن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين الكفر والإيمان بينما قال أهل السنة إنه مؤمن فاسق، وقالت الإباضية إنه كافر لكن لا كفر ملّة بل كفر نعمة، والمبدأ الخامس الذى اعتنقته المعتزلة هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ويبدو أن أبا عبيد الله الصنعانى الداعية الإسماعيلى العبيدى كما قضى على الدولة الرستمية فى تاهرت لأواخر القرن الثالث الهجرى قضى أيضا على الدعوة الاعتزالية، فلم نعد نسمع عن جماهير تعتنقها فى الجزائر والمغرب، إنما يلقانا من حين لآخر بعض أفراد من العلماء يعتنقونها.

وكان أبو الحسن القابسى المتوفى بالقيروان سنة ٤٠٣/ ١٠١٢ قد حمل مذهب أبى الحسن الأشعرى الكلامى إلى القيروان وأشاعه فيها وشاع فى الجزائر بعده إلى نهاية هذا العصر، ومذهبه يقوم على التوفيق بين آراء المعتزلة وأهل السنة، فإذا قال أهل السنة بالقضاء والقدر فى أفعال الإنسان وقال المعتزلة بل الإنسان هو الذى يخلق أفعاله قال إنها لله خلقا وتقديرا وللإنسان كسبا وإرادة، وإذا قال أهل السنة القرآن أزلى غير مخلوق وقال المعتزلة إنه محدث مخلوق قال إنه قديم وحادث فألفاظه دلالات على كلام الله الأزلى والدلالات مخلوقة محدثة والمدلولات قديمة أزلية، إلى غير ذلك من آراء مثل تفضيل الأنبياء على الملائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>