للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسيّدنا يا بن الإمامين أمركم ... منوط بأمر الله ما عنه معدل

نصرتم لأن الحقّ آن ظهوره ... وناصره فى الله ما كان يخذل

ملأتم بساط الأرض عدلا وما بقى ... فأخباركم فيه تسير وتنقل

ويؤسس أبو زكريا منذ سنة ٦٢٥ بتونس الدولة الحفصية وتتبعها بجاية وقسنطينة وشرقى الجزائر إلى ما بعد مليانة، بل حتى أحيانا إلى مدينة الجزائر شمالا وحتى مدينة ورقلة جنوبا، وكانوا يتخذون للمدن الكبرى: قسنطينة وبجاية وبونة ولاة حفصيين. وظلت لبجاية أهمية كبيرة طوال القرن السابع الهجرى ثم خلفتها قسنطينة أو بعبارة أدق نازعتها الأهمية، فقد ظلت فى كليهما حركة أدبية وعلمية نشيطة، على الرغم من أنه لم تنشأ فيهما ولا فى شرقى الجزائر عامة دولة كبيرة كدولة بنى حماد فى بجاية التى قضى عليها عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين ولا كدولة الزيانيين فى تلمسان التى سنلم بها بعد قليل، ولا يلقانا فى بجاية وقسنطينة وشرقى الجزائر شعر مديح فى حاكم كبير، وحقا يلقانا شعر مديح يتعلق بصداقات مثل قول محمد بن يحيى بن عبد السلام فى صديقه على بن سيد الناس وعشيرته (١):

شمس السعادة لاسنا النّبراس ... حلّت بأفق على بن سيد الناس

من معشر بذل النوال شعارهم ... وهم الأسود لدى احتدام الباس

فالبس رداء الفخر جرّر ذيله ... وانعم بطيب العيش والإيناس

وأهم شاعر مديح أنتجه شرقى الجزائر فى عهد الدولة الحفصية شهاب الدين بن الخلوف القسنطينى شاعر السلطان أبى عمرو عثمان، وسنخصه بترجمة عما قليل.

وتؤسّس بتلمسان الدولة الزيانية منذ سنة ٦٣٣ ويقود يغمراسن مؤسسها وأبناؤه وأحفاده نهضة علمية وأدبية عظيمة فينشئون المدارس ويكثرون فى مجالسهم من مناظرات العلماء بين أيديهم، ويتخذون المفتين من كبار الفقهاء كما يتخذون الأطباء ويتغنى بمديحهم الشعراء ويجزلون لهم فى العطاء، ومن أول ما يلقانا من ذلك قصيدة لشاعر يغمراسن حين هاجمه السعيد الموحدى صاحب مراكش سنة ٦٤٦ وانتصر عليه يغمراسن، وفيها يقول مهنئا له بالانتصار (٢):

بشرى بعاجل فتح أوجب العرسا ... وأسفر الدّهر عنه بعد ما عبسا (٣)

فتح تبجّست الأنواء صادقة ... بودقه ومحت أنواره الغلسا (٤)

فتح تفتّح باب السعد عن كثب ... عنه وأنجز فيه اليمن ما التمسا (٥)

فتح جرى فى الورى مجرى الحياة فقد ... سرى فمازج منّا النّفس والنّفسا


(١) عنوان الدراية ص ٣٤٣.
(٢) انظر تاريخ بنى زيان ملوك تلمسان للتنسى (تحقيق محمود بوعياد) ص ١١٩.
(٣) أسفر: انكشف. عبس: قطّب وجهه وتجهّم
(٤) تبحست: تفجرت. الأنواء: الأمطار، ودق المطر: شديده. الغلس: ظلمة آخر الليل.
(٥) كثب: قرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>