للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لطاعته كلّ الأنام تبادرت ... فيا سعد من وافى ويا ويح من ولّى

لقد جبر الله البلاد بملكه ... به ملئت أمنّا به ملئت عدلا

والقصيدة بديعة وقد استهلها التلالسى بوصف طبيعة تلمسان الجميلة، ونوه بوجود قبر الصوفى الكبير أبى مدين شعيب فيها، وعاد إلى الإشادة بحسنها وأنها جنة الدنيا ثم أخذ فى مديح أبى حمو واستيلائه على تلمسان من يد الدولة المرينية قهرا ومبادرتها إلى عقد الصلح. وله موشحة أنشدها المقرى فى أزهار الرياض يجمع فيها بين مديحه ومديح الرسول الكريم، ومن مديحه له فيها (١):

من لم يزل يسمو ... إلى المعالى كلّ حين

ذاك أبو حمّو ... المولى أمير المسلمين

طاعته غنم ... نلنا بها دنيا ودين

وكان أبو حمو استنّ فى تلمسان الاحتفال بليلة مولد سيد المرسلين، وكان المنشد يستهلّ الحفل بإنشاد مدحته النبوية، ثم يظل ينشد طويلا ما رفع إليه من مدائح شعراء البلاط فى أبى حمو وفى الرسول الكريم، وتسمى تلك القصائد باسم المولديات، وظل ذلك تقليدا بعده، وسنترجم لشاعرين من شعرائه عما قليل، هما يحيى بن خلدون ومحمد بن يوسف الثغرى. وممن تولى مقاليد الحكم بعده ابنه أبو زيان محمد الثانى (٧٩٦ - ٨٠١ هـ‍) وكان كلفا بالعلم والأدب-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-وراجت سوقهما فى عهده، وكان شاعرا كما كان عالما، وتهادى مع السلطان المملوكى برقوق (٧٨٤ - ٨٠١ هـ‍) والطريف أنه وجّه إلى برقوق مع هديته قصيدة من نظمه استهلّها بتصوير أشواقه وحنينه إلى زيارة المصطفى والبقاع المقدسة، ومن قوله بها فى مديح السلطان برقوق (٢):

ملك به نام الأنام وأمّنت ... سبل المخاوف، لا يخاف سبيل

والملك ضخم والجناب مؤمّل ... والفضل جمّ والعطاء جزيل

والصّنع أجمل والفخار مؤثّل ... والمجد أكمل والوفاء أصيل (٣)

يا خادم الحرمين حقّ لك الهنا ... وحباك من روح الإله قبول

وممن انتعش الأدب فى أيامه بعده أبو مالك عبد الواحد الزيانى (٨١٤ - ٨٢٧ هـ‍) ويقول التنسى إن الأدباء جاءوا إلى بابه ينسلون من كل حدب (٤) فينقلبون بجر (٥) الحقائب، ظافرين


(١) أزهار الرياض ١/ ٢٤٧.
(٢) تاريخ بنى زيان للتنسى ص ٢٢٥.
(٣) مؤثل: أصيل.
(٤) ينسلون من كل حدب: يسرعون من كل طريق.
(٥) بجر الحقائب: مملوئى الحقائب، كناية عن كثرة العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>