للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورئب الصّدع وعاد الحق إلى نصابه، فرأى أبو بكر بثاقب بصيرته أن يدفع العرب إلى خارج جزيرتهم كى ينشروا الإسلام فى آفاق الأرض، فاندفعوا جميعا يجاهدون فى سبيل الله ويبتغون رضوانه، وسرعان ما سقطت الحيرة وجنوبى العراق أمام جيوش المثنى بن حارثة وخالد بن الوليد، وجهز أبو بكر جيشين لغزو الشام، أحدهما بقيادة عمرو بن العاص والآخر بقيادة يزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة، وانتصر الجيشان فى فلسطين. ولم يلبث أن أمدهما أبو بكر بخالد بن الوليد، وجعل له إمارة الجيوش، فانتصر على أرطبون فى موقعة أجنادين كما انتصر فى موقعة اليرموك، وهو رافد من روافد نهر الأردن، وحاصر دمشق، واستطاعت جماعات من جيوشه أن تستولى على حمص. ويتوفّى أبو بكر فى السنة الثالثة عشرة للهجرة قرير العين بما أدى لله ولرسوله، وكان آخر ما تكلم به «ربّ توفّنى مسلما وألحقنى بالصالحين» (١)، وبكاه كثير من الشعراء (٢) ومن خير ما قيل فيه قول حسان بن ثابت (٣):

إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

التالى الثانى المحمود سيرته ... وأوّل الناس منهم صدّق الرسلا

وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به إذ صعّد الجبلا

وكان حبّ رسول الله قد علموا ... خير البريّة لم يعدل به رجلا

وأوصى أبو بكر من بعده بالخلافة لعمر بن الخطاب، فسار بأحسن سيرة مقتديا بهدى الله ورسوله وخليفته الصديق، لا يخاف فى الحق لومة لائم.

وهو أول من دوّن الدواوين ورتّب الناس فيها على سوابقهم، وأول من رتّب التاريخ العربى وجعله من الهجرة، وأول من تلقب بأمير المؤمنين. وفتح الله له الفتوح، وكان من أول أمره فى ذلك أن عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيوش فى الشام وولّى أبا عبيدة بن الجراح مكانه، فأتمّ يعاونه خالد فتوح الشام، وانطلق عمرو بن العاص بجيشه ففتح مصر. أما فى الشرق فكانت المعركة


(١) الطبرى ٢/ ٦١٥.
(٢) الطبرى ٢/ ٦١٧ والاستيعاب ص ٣٤٢.
(٣) ديوان حسان ص ٢٩ والبيان والتبيين ٣/ ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>