للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حامية الوطيس. وقد أمدّ عمر المثنى بن حارثة بجنود يقودها أبو عبيد الثقفى، ونشبت سلسلة من الوقائع عند قسسّ الناطف والبويب انتصر فيها المسلمون، وبينما كان الفرس يستعدون لمعركة أخيرة هى معركة القادسية توفّى المثنى فخلفه فى قيادة الجيوش سعد بن أبى وقاص، ومنى الفرس بهزيمة شديدة، وقتل قائدهم رستم فى المعركة. وتقدم سعد إلى عاصمتهم المدائن فاستولى عليها.

ولم يلبث الفرس أن تجمعوا فى جلولاء شرقى دجلة، ولكنهم هزموا هزيمة ساحقة.

وانسحب يزدجرد ملك الفرس إلى إيران وتبعته الجيوش الإسلامية بقيادة النعمان ابن مقرّن وتوفى فخلفه حذيفة بن اليمان. ولم تلبث هذه الجيوش أن استولت على نهاوند ثم أصفهان ثم إصطخر، وعاش يزدجرد طريدا، حتى أرسل إليه عامل خراسان لعهد عثمان من قتله فى مخبئه الأخير.

وتلقانا فى كل موقعة حربية شرقا وغربا أشعار حماسية كثيرة، سنعرض لها عما قليل، ويخيّل إلى الإنسان كأنما الجزيرة كلها قد تحولت جيشا يجاهد فى سبيل الله ونشر الإسلام، فقد أحسّ العرب فى عمق أن عليهم أن ينشروا الدين الحنيف فى أنحاء الأرض. ومن غير شك كان المتخلفون من الشيوخ والنساء وغيرهما يحسون ألما عميقا لفراق ذويهم، على نحو ما يصور لنا ذلك البريق بن عياض الهذلى، إذ يقول (١):

وإن أمس شيخا بالرجيع وولدة ... وتصبح قومى دون دارهم مصر (٢)

أسائل عنهم كلما جاء راكب ... مقيما بأملاح كما ربط اليعر (٣)

فما كنت أخشى أن أقيم خلافهم ... بستة أبيات كما نبت العتر (٤)

وكان عمر ينهى من لهم آباء شيوخ يعولونهم عن الهجرة برّا بهم، ويروى أن المخبّل السعدى جزع جزعا شديدا حين هاجر ابنه شيبان لحرب الفرس مع سعد بن أبى وقاص، وكان قد أسنّ وضعف، فافتقد ابنه فلم يملك الصبر عنه، ومضى إلى عمر فأنشده أبياتا يقول فيها:


(١) ديوان الهذليين (طبعة دار الكتب) ٣/ ٥٨ وانظر أيضا ٢/ ١٩٧، ٢/ ١٩٩ حيث تجد لأسامة بن الحارث أشعارا مماثلة.
(٢) الرجيع: موضع. ولدة: صبية.
(٣) أملاح: موضع. اليعر: الجدى الكبير.
(٤) العتر: شجر له ورق صغار. خلافهم: بعدهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>