للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قال صحبى يا ربيع ألا ترى؟ ... أرى الشخص كالشخصين وهو قريب

ويخبرنى شيبان أن لن يعقّنى ... تعقّ إذا فارقتنى وتحوب (١)

فرقّ له عمر، وكتب إلى سعد يأمره أن يرد شيبان إلى أبيه فردّه إليه ولم يزل عنده حتى مات (٢). وليس المخبّل وحده الذى فزع إليه يشكو هجرة ابنه، فقد فزع إليه أيضا أمية بن حرثان بن الأسكر حين هاجر ابنه كلاب إلى حرب الفرس، وكان مما أنشده فيه:

لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب الله إن حفظ الكتابا (٣)

إذا هتفت حمامة بطن وجّ ... على بيضاتها ذكرا كلابا

تركت أباك مرعشة يداه ... وأمّك ما تسيغ لها شرابا

فأمر بإشخاصه إليه (٤). وممن فزع إلى عمر أيضا فى ذلك أبو خراش الهذلى حين هاجر ابنه مع المجاهدين إلى الشام، وقد أنشده شعرا مؤثرا، فأمر برده عليه وأن لا يغزو من له أب هرم إلا بعد أن يأذن له راضيا بهجرته (٥).

ولعل فى هذا كله ما يصور كيف كان يترامى شباب العرب على الجهاد فى سبيل الله، ومع هذا يأبى المستشرقون إلا أن يجعلوا تلك الفتوح الرائعة ابتغاء الدنيا والغنائم (٦) لا ابتغاء الله وثواب الآخرة، وربما كان من خير ما يرد عليهم قول النابغة الجعدى لامرأته، وقد أظهرت تأثرها لهجرته فى فتوح فارس (٧):

يا ابنة عمى كتاب الله أخرجنى ... طوعا وهل أمنعنّ الله ما فعلا

فإن رجعت فربّ الناس يرجعنى ... وإن لحقت بربّى فابتغى بدلا

ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرنى ... أو ضارعا من ضنّى لم يستطع حولا (٨)


(١) تحوب: تأثم.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٣/ ١٩٠.
(٣) يقصد ما فى كتاب الله من رعاية الآباء والبر بهم.
(٤) ابن سلام ص ١٦٠ والخزانة ٢/ ٥٠٥.
(٥) أغانى (ساسى) ٢١/ ٦٩ وديوان الهذليين ٢/ ١٧٠ وانظر فى حالات مشابهة الأمالى ٢/ ٣٠٩ وذيله ص ١٠٩.
(٦) راجع تاريخ الدولة العربية لقلهوزن (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ٢٥ والعقيدة والشريعة لجولد تسيهر ص ١٣٧.
(٧) الشعر والشعراء ١/ ٢٥١ وقد ظلت هذه الروح مسيطرة على الفاتحين فى العصر الأموى، انظر الطبرى ٥/ ٤١٣.
(٨) ضارعا: ضاويا نحيلا. ضنى: مرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>