للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمر من وراء هذه الجيوش مثالا رائعا للعدل والتقوى والزهد فى الدنيا.

وما زال يسوس العرب سياسة مثالية، حتى امتدت إلى جسده الطاهر يد أبى لؤلؤة المجوسى الآثمة فى الظلام، فطعنته بخنجر مسموم طعنات لأربع ليال بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ولم يلبث أن توفّى بين بكاء المسلمين وتشيجهم، ومن رائع ما قيل فيه من رثاء قول جزء بن ضرار أخى الشماخ (١):

جزى الله خيرا من أمير وباركت ... يد الله فى ذاك الأديم الممزّق (٢)

فمن يسع أو يركب جناحى نعامة ... ليدرك ما حاولت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق فى أكمامها لم تفتّق (٣)

وكان عمر وهو على فراش الموت قد جعل الخلافة شورى فى ستة من أصحاب رسول الله توفّى وهو عنهم راض، وكانوا من المهاجرين الأولين، وهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص. ووقع اختيارهم على عثمان، فمضى ينفّذ سياسة عمر فى إتمام فتح إيران وإفريقية، وأقرّ معاوية بن أبى سفيان على الشام، إلا أنه عزل عمرو بن العاص عن مصر وولاّها عبد الله بن سعد بن أبى سرح، ففتح إفريقية. وما نصل إلى سنة أربع وثلاثين للهجرة حتى تندلع ثورة عنيفة على عثمان فى الكوفة يقودها الأشتر النخعى وفى مصر يقودها محمد بن أبى حذيفة ومحمد بن أبى بكر الصديق. وكان من أهم أسباب هذه الثورة ضعف عثمان، إذ كان شيخا كبيرا، واستسلامه لأهل بيته من الأمويين وتوليته لهم كثيرا من الأعمال، مما أحفظ عليه كبار الصحابة وملأهم موجدة. وكانت هناك أسباب وراء ذلك، فإن عمر رأى أن يترك للجيش خمس الغنائم وأن تستأثر الدولة بالفئ وهو الأرض الثابتة، ومعروف أنها تركت لأصحابها على أن يؤدوا عنها إتاوة عادلة وأن يؤدوا الجزية إن لم يسلموا نظير حماية الجيش لهم وإعفائهم من


(١) ابن سلام ص ١١١ والأغانى ٩/ ١٥٩ والبيان والتبيين ٣/ ٣٦٤.
(٢) الأديم: الجلد.
(٣) البوائق: الدواهى. تفتق: تنشق ثمرها. والاستعارة واضحة

<<  <  ج: ص:  >  >>