للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجبات العسكرية، وكان كثير من المحاربين يرون أن يشركوا الدولة فى الفئ، ولكن صوتهم لم يرتفع فى عهد عمر لقوة شخصيته، حتى إذا كان عهد عثمان بدأ التذمر يشتد، وتطورت الظروف، فاشتعلت الثورة عليه اشتعالا أدّى إلى قتله فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة، وبكاه كثير من شعراء الصحابة (١)، من ذلك قول أيمن بن خريم (٢):

ضحّوا بعثمان فى الشهر الحرام ضحى ... وأىّ ذبح حرام لهم ذبحوا

إن الذين تولّوا قتله سفها ... لاقوا أثاما وخسرانا فما ربحوا

ماذا أرادوا أضلّ الله سعيهم ... بسفحهم للدّم الزّاكى الذى سفحوا

وكان علىّ يعدّ أكبر الشخصيات بين المهاجرين، فبايعه الثوار وبايعته المدينة، ولكن هذه البيعة لم ترض طلحة والزبير وانضمت إليهما السيدة عائشة أم المؤمنين، فأعلنوا سخطهم، وولوا وجوههم نحو البصرة مستنفرين الناس ضده، وتبعهم على، فنزل فى الكوفة، ولم تلبث الحرب أن نشبت بين الفريقين، وسرعان ما انتصر على فى موقعة الجمل المشهورة، وقتل طلحة والزبير وانسحبت عائشة إلى المدينة. وكان علىّ قد عزل معاوية ابن عم عثمان وواليه على الشام، فلم يصدع لأمره واعتبر نفسه ولىّ دم عثمان، فجهز الجيوش لحربه وانضم إلى معاوية عمرو بن العاص وكثير من قريش. وسار إليه علىّ بجموعه، فالتقوا على الحدود العراقية السورية فى صفّين الواقعة على الضفة اليمنى للفرات، واحتدمت معركة عنيفة كاد فيها النصر أن يكتب لعلىّ، غير أن معاوية عمد-بمشورة عمرو بن العاص-إلى الحيلة، إذ جعل طائفة من جنوده ترفع المصاحف على أسنّة رماحها طالبة الاحتكام إلى القرآن ووقف هذه الحرب المبيرة للمسلمين، وتنبه علىّ للحيلة غير أن كثرة جيشه أجبرته على وقف القتال والدخول مع معاوية فى مفاوضات. واتفق الفريقان على اختيار حكمين، هما عمرو بن العاص عن معاوية وأبى موسى الأشعرى عن على ليحكما بينهما على أساس من القرآن. واستطاع عمرو أن يقنع أبا موسى بخلع على ومعاوية


(١) انظر الاستيعاب ص ٤٩٢ والكامل لمبرد (طبعة رايت) ص ٤٤٤ - ٤٤٥ والطبرى ٣/ ٤٤٧ وما بعدها.
(٢) المبرد ص ٤٤٥ والاستيعاب ص ٤٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>