للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرم وإنابة لله، وكأنما هوت النجوم المتلألئة لفقده وذوت الأزهار الغضّة، وحتى شمس النهار تغيّرت حزنا وتبدلت من نورها بشحوب. وإن سيوف الهند التى طالما شهرها على أعدائه لتبكيه بدم مخضوب بما يلمع على صفحاتها من تموجات الضوء، وإن جيادة لتنتظره مؤملة بصهيلها التى تعبر به عن حنينها له أن يمتطيها للقاء الأعداء. ويتساءل الشاعر من سيلقى الوفود الكثيرة التى كانت تفد على بابه بالبشر والترحيب وقضاء حاجاتها الكثيرة. ويقول الشهاب الخلوف شاعر السلطان عثمان الحفصى يبكى ابنا له مات صغيرا (١):

أصبت عين المها يا موت بالرّمد ... وقد أهضت جناح المجد فاتّئد (٢)

ناجزت فى صرف آجال قد اقتربت ... إذ لا تسلّمها إلا يدا بيد (٣)

كم زدت فى نقصك العليا جوى كبد ... حرّى فيا ليت لم تنقص ولم تزد

وكم تركت أبا يبكى على ولد ... أذقته طعم ثكل الأمّ للولد

بنىّ ليتك لم تخلق لورى بلى ... يا ليتنى لم أسم بالصبر عن شهد (٤)

سقى الحيا قبرك الزاكى وواصله ... سحاب عفو وغفران مدى الأبد (٥)

وهو يخاطب الموت محزونا ويقول له اتئد، فقد أصبت عين الأمّ بالرمد لكثرة البكاء على من تفقدهم وحطمت جناح المجد وناجزت فى حدث الموت وأبيت إلا أن تستلم ابنى يدا بيد، وكم نقصت العليا وزدت الكبد حزنا وحرارة، وكم أذقت أبا فقده لابنه فذاق طعم حزن الأم حين تفقد ابنها. ويخاطب ابنه فليته لم يخلق لبلى جسده وعظامه حتى لا يسام أبوه ولا يكلف الصبر على ما نزل به، ويستسقى له السحاب وأن يمنحه الله عفوه وغفرانه.

ويكثر منذ أواخر عصر الدولة الحفصية رثاء التلامذة لشيوخهم الأعلام فى تلمسان وغيرها من مدن الجزائر، وكان من كبار علماء تلمسان فى القرن التاسع الهجرى محمد بن يوسف السنوسى نسبة إلى قبيلة مغربية وهو حسنى من ذرية الحسن بن على بن أبى طالب، وفيه ألف تلميذه الملالى كتابا سماه «المواهب القدسية فى المناقب السنوسية» وكان فقيها، بل كان إماما فى الفقه وفى علم التوحيد وله فيه الكتاب المشهور عقيدة أهل التوحيد وشرح مرارا، ورثاه تلميذه الشاعر محمد بن عبد الرحمن الحوضى حين توفى سنة ٨٩٥ هـ‍/١٤٨٩ م بقصيدة بديعة، وفيها يقول (٦):


(١) الديوان ص ٢٥٠.
(٢) أهضت: حطمت.
(٣) صرف: حدث. آجال: أعمار.
(٤) ورى بلى: اكتتام بلى. أسم: أكلف.
(٥) الحيا: الغيث. الزاكى الطاهر.
(٦) تعريف الخلف برجال السلف ص ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>