للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدائما تشوق العطار يثرب ودائما يقصيه عنها المغرب، إنها الجنة التى يحلو له ذكرها، والقرب منها والدنو أكثر حلاوة وعذوبة. وإنه ليحن إليها كلما سمع الحمام يشدو ويترنم على أغصان الأراك والأشجار. ويتمنى وقفة فى ربع الأحبة ودموعه تهطل صبّا ملتاعا حتى ليعطف عليه المحبون مثله، شوقا للرسول الكريم الذى زان الوجود بطلعته السنية، والذى يدنى حبه من رضا رب العباد، خير الورى، محبوب أمته، ونبيها الذى حازت به جاهها ومكانتها العالمية. ويشيد بالرسول ويحمّل السلام إليه من يزورونه من جيرانه وصحبه، منشدا:

أسنى النبيّين قدرا نوره أبدا ... يزيد حسنا على الأقمار باهره

وأفضل الخلق من عرب ومن عجم ... أربت على الرّمل أضعافا مآثره

روض من الحلم غضّ راق منظره ... بحر من العلم عذب فاض زاخره

إن جاد صاح بلقياه الزمان فمل ... إلى مقام حبيب أنت زائره

وصف له حال صبّ مغرم دنف ... رام الدنوّ فأقصته جرائره (١)

واذكر هناك بعيد الدار غرّبه ... غرب فما غائب من أنت ذاكره

أهدى السلام بلا حدّ ولا أمد ... إلى محلّ رسول الله عامره

وهو يصف الرسول بأنه أعظم النبيين قدرا، ونوره يزيد حسنا على نور الأقمار حين تكون بدورا كاملة، وهو أفضل الخلق عامة من عرب ومن عجم، ومآثره أضعاف الرمل إحصاء وعدّا، وإنه لروض زاه من الحلم يروق منظره، وبحر عذب من العلم يفيض زاخره. ويتجه إلى بعض من أسعدته الظروف بالرحلة إلى زيارته، فيطلب إليه أن يصف له صبابته بزيارته وغرامه، وكيف حاول الاقتراب منه وأبعدته ذنوبه، ويقول له اذكر حال بعيد الدار عاجز عن الوصول إليه. وإنه ليهدى السلام إلى يثرب بلا حد ولا غاية ولا نهاية. ويتخيل نفسه وقد اكتحلت عيناه بطيبة وترابها، فينشد مبتهجا:

ولما بدت أعلام طيبة قصّرت ... من الشوق ما قد طوّلته السباسب (٢)

وقفنا وسلّمنا وفاضت دموعنا ... وحنّت إلى ذاك الجناب الركائب

نزلنا وقبّلنا من الشوق تربها ... وطابت بذاك التّرب منا التّرائب (٣)

فللعين من تلك المعاهد نزهة ... وللقلب فى تلك الرسوم مآرب

حوت سيّد الرّسل الذى جلّ قدره ... له فى مقام القرب تقضى المطالب

ترقّى إلى السّبع الطباق وما بدا ... له فى ترقّيه من الحجب حاجب


(١) مغرم دنف: أشفى على الهلاك. جرائره: ذنوبه.
(٢) السباسب جمع سبسب: المفازة والفلاة.
(٣) الترائب: عظام الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>